كلمة وفاء بحق أخي الأكبر وأستاذي المرحوم معالي الدكتور عبدالعزيز بن عبدالله الخويطر.
لقد كنت خارج المملكة عند انتقاله إلى الرفيق الأعلى؛ ولهذا تأخرت في رثاء أخي ومعلمي - رحمه الله.
معرفتي بمعاليه منذ أن كنت طفلاً صغيراً. حضرت حفلة ختامه القرآن الكريم في كتّاب المرحوم الشيخ عبدالعزيز الرافع (ضعيف الله)، وقد أقام أهله حفلة غداء، دُعينا إليها.
وبعد عودته وحصوله على درجة الدكتوراه توطدت علاقتي به منذ أول يوم وصل فيه إلى الرياض حتى انتقل إلى رحمة الله.
لقد تعلمت منه الكثير؛ فهو أستاذي، ورئيسي في العمل في الجامعة، وأخي الأكبر، وأنا ألتقي به أسبوعياً على الأقل، وأسعد بتوجيهاته، وأستمع إلى آرائه.
هذه مقدمة إلى ما أستطيع أن أبوح به في رثائي له - رحمه الله.
حقاً، لقد فُجعت المملكة العربية السعودية مساء الأحد 26 رجب 1435هـ بنبأ وفاة المربي الكبير القامة السامقة، العالم رجل المهمات الصعبة.. وبفقده فقدت المملكة ركناً مهماً من الرجال القلائل الذين قلما يجود الزمان يمثلهم، فكان الرجل المثالي، الرمز في كل شيء، في النزاهة والشرف والأمانة والإخلاص والصدق والدقة في العمل ومواقفه المشرفة في كل موقع ومنصب أوكل إليه.
بدأ عمله عضواً في هيئة التدريب (قسم التاريخ بكلية الآداب - جامعة الملك سعود) عقب عودته من البعثة في بريطانيا، وقد درس منهج تاريخ المملكة لطلاب كلية الآداب، وكان عالماً ومدرسة في الصبر والحلم وحبه لمساعدة الآخرين، وكان قارئاً وموسوعة تراثية، يتسم بالحكمة والبصيرة. وقد اكتشف الملك فيصل - رحمه الله - هذه الصفات؛ فعينه وكيلاً للجامعة (أي رئيساً للجامعة)، وكان له مآثره التي لا تُنسى، منها مبادرته بحجز موقع الجامعة الحالي الذي ينم عن البصيرة وبُعد النظر. ولعله من حسن حظي أن أكون معاوناً له عندما كنت أميناً عاماً للجامعة في اختيار هذا الموقع. وأنشأت الجامعة في عهده الجمعيات الأدبية والتراثية، وخرجت مجلة كلية الآداب، وهي أول مجلة علمية محكمة في المملكة.
ثم استدعته المناصب الإدارية للعمل المخلص النزيه في ديوان المراقبة العامة، فوزيراً للصحة، ثم وزارة المعارف (التربية والتعليم لاحقاً)، ثم التعليم العالي، فوزير الدولة عضو مجلس الوزراء، وكان مثالاً للإخلاص والوفاء والبلاء الحسن في كل موقع منها.
وكان الإداري الصارم المنفذ للأنظمة بحذافيرها، يخلط فيها الانضباط الأكاديمي بالانضباط الإداري.
وعندما أوكلت له وزارة العمل في غياب صديقه الدكتور غازي القصيبي للعلاج ثم وفاته كان وفياً لصديقه، فأدار العمل فيها بكل نزاهة وإخلاص. ولم تكن وزارة العمل الوحيدة؛ فكان ينوب عن كثير من الوزراء، خاصة وزارة المالية، التي تولاها عاماً كاملاً وزيراً.
وقد استطاع الدكتور الخويطر من خلال مواقعه الحكومية العديدة أن يخدم بلاده في صمت من أجل الوطن دون ضجيج، وكان خير مثال للمسؤول الذي يؤدي أمانته بكل دقة.
والأستاذ الدكتور الخويطر أديب ومؤرخ ومفكر، وقد أثرى المكتبة السعودية بالكثير من مؤلفاته من الكتب والإسهامات الفكرية والمذكرات، وقد تجاوزت إصداراته (66) إصداراً علمياً وثقافياً.
ولعل أهم مؤلفاته (وسم على أديم الزمن)، الذي هو عبارة عن مذكراته منذ أن كان طفلاً في عنيزة، وكان عنده تسجيل دقيق لمراحل حياته يوماً بيوم.
وكان للدكتور الخويطر حضور في المجالس والمنتديات الأدبية، وكان يحرص على خميسية الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله - وله كتابات متعددة في كثير من الصحف.
وفي الجانب الشخصي، للدكتور الخويطر علاقاته مع الناس، وكل من جالسه يعرف طيب حديثه وثراءه بالمعلومات والحكايات والمأثورات التاريخية والأدبية.
ويمتاز الدكتور الخويطر بخُلقه العظيم، وترحيبه بضيوفه، وحرصه على توديعهم حتى لو كانوا يصغرونه سناً وقدراً وعلماً.
ليس من الإنصاف الاقتصار على هذه الجهود في الكتابة عنه؛ فقد كان أنشودة وطنية جديرة بالتكريم والاحترام.
ألا رحم الله فقيد الوطن الدكتور عبدالعزيز الخويطر رحمة واسعة، وجعل منزله في عليين، ولتهنأ أيها العالم الموسوعة والمواطن الصالح والأديب الفذ والإداري الرمز في النزاهة والإخلاص والوفاء.. بلقاء ربك راضياً مرضياً، ووفَّق الله ابنه محمد وبناته وزوجته الكريمة في حياتهم، وأحسن الله عزاءهم وعزاءنا.
ورحمك الله يا رمز العلم والتعليم
ورحمك الله يا أستاذ الأساتذة ومعلم الأجيال.
{إِنَّا لِلّه وَإِنَّا إِلَيْه رَاجِعونَ}.