سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
لقد اطلعت على مقال (الجحود) لكاتبه الأستاذ سلمان بن محمد العمري في 18 جمادى الآخرة 1435هـ العدد (15177) الذي أجاد فيه خاصة في واقعنا المعاصر وتنكر الناس لكثير من الأخلاق ومبادئ الإسلام، وإنني هنا أشير إلى حقيقة الجحود ومدلوله في القرآن والسنة المطهرة، وذلك ليكون المسلم على بصيرة في واقعه وتعامله مع الناس.
والجحود في اللغة: إنكار الشيء مع العلم به، ومع ظهوره وسطوع دليله مأخوذ من قولهم: أرض جحدة، أي يابسة لا خير فيها، ومنه قيزل: رجل جحد، أي شحيح بخيل يظهر الفقر (1) واستعير هذا المعنى لوصف من ينكر شيئاً ظاهراً ولا يقر به، رغم علمه به وظهور الدليل عليه.
وقد استخدم الجحود في القرآن الكريم بمعنى: إنكار ما هو معروف ظاهر، كما في قول الله عز وجل: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ} الأنعام (33). فالآيات ظاهرة ساطعة، وجحودهم بها مكابرة وإنكار كما هو معلوم (3) بينما استخدم القرآن الكريم كلمة (الإنكار) في معنى: عدم العلم بالشيء، كما في قول الله عز وجل: {وَجَاء إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} (58) سورة يوسف. أي: جاهلون به جهلاً متمكناً منهم ثابتاً في نفوسهم (4) فهذا نفي للعلم بالشيء.
كما استخدم القرآن لفظ الإنكار في نفس الشيء الظاهر مع العلم به، كما في قول الله عز وجل: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} (83) سورة النحل. فهذا في مقابل الإقرار (5)، أي يعرفون ذلك في أعماق نفوسهم، لكنهم لا يقرون به.
ونخلص مما سبق إلى أن الاستخدام القرآني لكلمتي الجهود - الإنكار يظهر اشتراكهما في معنى النفي.
والملمح المميز للجحود هو: إنكار الشيء الظاهر مع العلم به. والمملح المميز للإنكار: عدم العلم.
1 - عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعلم الرمي ثم نسيه فهي نعمة جحدها). ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (2-282) وقال: رواه البزار والطبراني في الصغير والأوسط بإسناد حسن، وقال الألباني صحيح لغيره صحيح الترغيب والترهيب رقم (1294).
2 - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في أضحى أو فطر إلى المصلى، ثم انصرف فوعظ الناس، وأمرهم بالصدقة فقال: (أيها الناس، تصدقوا، فمر على النساء فقال: (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار). فقلن: وبم ذلك يا رسول الله؟ قال: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن، يا معشر الناس) ثم انصرف فلما صار إلى منزله جاءت زينب امرأة ابن مسعود تستأذن عليه. فقيل: يارسول الله، هذه زينب. فقال: (أي الزيانب؟) فقيل امرأة ابن مسعود. قال (نعم ائذنوا لها) فأذن لها قالت: يا نبي الله، إنك أمرت اليوم بالصدقة، وكان عندي حلي لي فأردت أن أتصدق بها فزعم ابن مسعود أنه وولده أحق من تصدقت به عليهم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم (صدق ابن مسعود. زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم) (رواه البخاري - الفتح 3 (1462) واللفظ له، ومسلم (1000) مثله لكن من حديث زينب امرأة ابن مسعود).
3 - عن النعمان بن بشير - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، والتحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب) (رواه أحمد (4 /278)، وذكره الألباني في الصحيحة برقم (667)، (2 /276)، وعزاه أيضاً للقضاعي (3/ 1).