على سبيل الخيال، لو تمكنا من تجريد المجتمع من أي تأثيرات من شأنها أن تمثل القانون الذي يهبه ثيمته وطابعه الخاص وفق ما تراه الجهة المُسنة للقانون، سواء في بيئة العمل أو الأسرة أو على مستوى الدول.
كيف ستتحرك مشاعر الفرد تجاه ما يراه من حوله من أحداث، كيف ستتشكل مرآته الخاصة لانعكاسات الخارج وعلى أي مُبتنى؟
إن ضمير «دور كايم» الجمعي هو من سيتحرك ميكانيكياً في ظل غياب القانون الذي يمثل فئة من المجتمع دورها تطبيق العقوبات بغض النظر عن بنيوية الضمير الجمعي لدى أفراده. وبالإضافة للثقافة الدينية وللتجارب الشخصية والتراكمات المرئية والمسموعة والمحسوسة ستتشكل منظومة المجتمع الأخلاقي الذي يندفع منها الفرد تلقائيا ليتخذ موقفا محسوماً وحتمياً تتفق عليه الجماعات المشتركة.
ولنخرج قليلا من الخيال للواقع عبورا على سؤال غاية في الأهمية لكل من تشكل له الأخلاق قيمة لا يمكن التغاضي عنها أو تعويضها. لأن القانون كما أسلفت يبني وعياً لكنه لا يبني ضميراً!
هل يمكن تنظيف الذاكرة الجمعية وتحوير ضميرها بما يوافق إيديولوجيا تستغل بناءات الأخلاق لدى الجماعات؟ الجواب: نعم!
الطائفية -على سبيل المثال- بوسعها أن تعيد بناء الضمير عن طريق تهجين ثقافة المجتمع الدينية والأخلاقية والعرفية مع مفاهيمها ودوافعها الخاصة.
لتنتج «ضميرا طائفياً مسخاً». وإلا ما الذي يجعل السكينة تحل على نفوس مرتكبي الجرائم من قتل أو تفجير أو سحل أو اعتداء أو إهانة كرامة؟. الطائفية بما تفعله من طبع النفوس على الكراهية والحقد تقف بطوطميتها المستبدة على المشاعر الأصيلة في الأفراد لتغير شفرة ردود الأفعال بمنحى لا يمكن أن يعد سوياً. ليغدوا نحر الرقاب والتكفير والبذاءة والإقصاء والكراهية أفعالا وسلوكيات مألوفة لا تستدعي رعشة الضمير ولا تقض المضاجع!
في البرنامج المثير للجدل الذي بثته bbc منذ عدة شهور تحت عنوان « أثير الكراهية» الذي يتناول التحريض المذهبي في القنوات الفضائية. واجه المقدم ناشط إعلامي شيعي معروف وهو «ثائر الدراجي» بعرض مقطع فيديو لمداخلة هاتفية مستفزة له يطرحها في برنامج فتاوى لشيخ من الطائفة السنية تحوي -مداخلته- نيلا وشتما لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
وكنتُ أراقب ملامحه بدقة راجية أن أعثر على أي مشاعر استياء أو ندم لكن الصدمة كانت بابتسامة مكتومة لحقها تبرير ديني حافل بالاستشهادات النبوية لسيرة الرسول صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم «زوج السيدة التي نال منها»!!!.
وفي نفس البرنامج واجه المقدم أيضا الشيخ محمد الزغبي (سني المذهب)، وهو أهم مُصدّر لخطاب التحريض المذهبي في مصر؛ بتسجيل مصور له وهو يدعو على الشيعة بطريقة شاملة ولا إنسانية. وعلى نفس النمط وبمنتهى السكينة علق الشيخ الزغبي بأنها ردود فعل طبيعية في مواجهة خطر الشيعة!.
إن «قلب المفاهيم» هو أهم آليات مسخ الضمير الجمعي التي تمارسه الطائفية القبيحة بمجهودات دعاتها ومشعليها. وما إن تمكنا من تنوير بُقع الإظلام التي تأخذ مستهدفيها إليه سوف يخلعون قتامة الأسماء والصفات، وسيعود القبيح قبيحاً والجميل جميلا وفق ضمير جمعي سليم!