فعلها عبدالفتاح السيسي وأصبح رئيساً لمصر العروبة وإن كان منافسه صباحي لم يكن خصماً ذا شعبية رغم برنامجه الانتخابي الذي تأمل ناخبوه أن يتحقق على أرض الواقع في حال فوزه بمنصب الرياسة ولكن ما تمتع به السيسي من كاريزما سياسية ودبلوماسية بالإضافة لنبرة الحنية التي افتقدها الشعب المصري وروح الإقدام التي جعلته يحدد موقفه كقائد عسكري في وقت حساس وخطير فنقل مصر من هوة سحيقة كادت حماقات الإخوان تقذف بهم فيها فكان الشعب المصري بطبيعته غير الانهزامية والتي عرفوا بها في إدارة الأزمات درعاً حصيناً للمحاولات الفاشلة التي كادت تخلق حرباً مصرية مصرية أو حرباً أهلية بمعنى أدق وكادت تقسم الشعب على نفسه ومع نفسه.
نعم، أصبح المشير عبدالفتاح السيسي سابقاً رئيس جمهورية مصر العربية الجديد ولكن هل انتهت المشكلة عند هذا الحد؟ أعتقد أن المواجهة الحقيقية ستكون ما بعد ذلك, فعلى السيسي أن يتبع سياسة خاصة مع هذا الشعب المتعطش لنهضة حقيقية ولكن ليست على غرار مشروع النهضة الإخواني عليه أن يستثمر فورة الحماس التي عبّر عنها الشارع المصري عشية إعلانه رئيساً لمصر عليه أن يستغل ذلك في النهوض الحقيقي بمصر التي تعتبر صمام الأمان للمنطقة العربية برمتها ولديه ملفات عاجلة لا بد أن يناقشها قبل أن يغلقها وحتى تنهض مصر سياسياً ثم اقتصادياً عليه أن يلغي مصطلح الفلول تماماً من قاموس الشعب المصري وهي مهمة بالطبع ليست سهلة ولكن المصالحة الوطنية مطلب ضروري جداً لتحقيق الديموقراطية بمفهوها الصحيح، فالقضايا العالقة في مصر ستعيق لا محالة فتح صفحة جديدة بيضاء ناصعة ولا يعني ذلك أن يغلق الباب في وجه المصالحة ولا أيضاً أن يترك الباب مفتوحاً على مصراعيه ولكن عليه أن يترك الباب موارباً للسماح للآخر بالاندماج في المجتمع المصري الذي يعترف في تاريخه وحضارته بالتعددية والتي لم تكن في يوم من الأيام تشكّل مشكلة أو عائقاً للتواصل بين أفراد الشعب المصري، فالشقاق حالياً ليس بين أقباط مصر ومسلميها، بل هو بين المسلمين أنفسهم والذي نأمل أن ينتهي قريباً بالجلوس على طاولة واحدة لحوار سياسي ديمقراطي وطني حقيقي وهذا يتطلب من السيسي أن يترك على هذه الطاولة مقاعد فارغة باعتبار هذا المقعد الفارغ هو مقعد لا يمكن بأي حال من الأحوال استبعاده باعتبار أصحابه مواطنين مصريين بغض النظر عن توجهاتهم السياسية, التركة التي بين يدي السيسي هي تركة تحمل تاريخاً عظيماً والشعب الذي صنع هذا الإرث الحضاري والفكري والثقافي شعب أيضاً عظيم والأزمات التي مرَّ بها المصريون صقلتهم وأكسبتهم شجاعة تجعلهم لا يقبلون التراجع خطوة للوراء وسيمضون قدماً ولكن حذارِ أن يتجاهل السيسي أن هذا الشعب الذي دعمه وأجلسه على عرش مصر شعب لا يمكن التنبؤ بما يفعل في حال تعرضه لخذلان آخر فالحمل ثقيل جداً عليه وعلى الشعب المصري التحمّل بضع سنوات فما خلفته ثورة 25 يناير لا بد أن تظل آثاره النفسية لعقود قادمة.