سأبدأ سريعا معكم لأقول: لو كان لدى طلاب المدارس مناهج إلكترونية «الأيباد» هل كنّا سنشهد تلك الاحتفالية التي قدموها لنا بالأمس أمام إحدى مدارس الرياض وهم يمزقون كتبهم الدراسية؟ لا أظن ذلك كان سيحدث، ولا أدري حتى متى سنرّدد على سمع وزارة التربية والتعليم، بأنه آن الأوان أن تستبدل الكتب الدراسية الورقية بالمناهج الإلكترونية التي تحوي كامل المقررات الدراسية، والتمارين والأنشطة المتنوعة والتدريبات، وقد تكون مساوية للكلفة التي تنفقها الوزارة على طباعة الكتب كل عام، ثم يكون مصيرها الحاويات، والرمي في الطرقات، علما بأن المناهج الإلكترونية لها إيجابيات عدّة، فهي ستعمق تواصل الطلاب مع معلميهم، وتجعلها عملية سهلة، وستلقى تفاعلاً فعالاً منهم، لأنها وسيلة جاذبة؛ والطلاب في الأصل يتعاملون مع مختلف الأجهزة الحاسوبية في بيوتهم، لكن دعوني أعود لصلب القضية التي دعتني لفتح سطور مقالتي هذه على مصراعيها، بنثرة أسئلة لعلها في فِيه كل من رأى مشهد طلاب مدرسة ابتدائية! وهم يمزقون كتبهم شر ممزق، ويتقاذفون بها دون إحساس ببشاعة ما يقومون به وهم يمتهنون كتبهم الدراسية، ودون خوف من أحد سيحاسبهم، أو سيسألهم أين كتبكم؟ هيا أخرجوها! أنا أقول إن ما حدث - وتلك قراءة شخصية - إنما هو تعبير صادق عن العلاقة غير المتينة بين طلابنا والكتب والقراءة فهم يكرهونها، وتعبير صادق عن العلاقة المهتّزة بين المدرسة والبيت، فالدور التربوي المتكامل بينهما مفقود، وما حدث صورة معبّرة عن ضعف العلاقة القائمة بين الطلاب ومعلميهم، وتعبير أوضح عن أن مدارسنا (مستأجرة وحكومية) ما زالت ذات بيئات طاردة لا جاذبة، ولم تحقق الجذب لطلابها، بقدر ما يرون أنها مجرد أسوار وفصول إسمنتية جامدة، تدور فيها أنشطة باهتة، وطرائق تدريس تقليدية، وانظروا لحال بعضها لتروا (فصولها الكئيبة- الأفنية غير المناسبة للأنشطة- إدارتها لطوابيرها الصباحية ممّلة- مقاصفها وسوء ما يعرض فيها من أغذية- دورات المياه وسوء نظافتها- الأنشطة المدرسية تؤدى كعبء وبصورة غير ابتكارية أو إبداعية- عمليات التدريس جافة وتعتمد الإلقاء، وتركز على الحفظ- أساليب تربوية غائبة في معالجة المواقف وكأنه لا يوجد غير العصا)، كما أن ما حدث يعكس ضعف الدور التربوي للمدرسة، الذي كان يجب أن يتنامى في ظل تحديات خطيرة، وتحولات جديدة تصنعها المعرفة المتفجرة بين أيدي الطلاب، وفي ظل تراجع الدور الربوي للأسرة، فلم تعد المدرسة، ولا المعلم هما المسئولان فقط عن التوجيه والتعليم والتربية، فقد زاحمتهم وسائل أخرى، وبأساليب متفنّنة، «ما حدث أعدّه صورة من صور الانتقام من المدرسة»، لذا إذا لم ترق المدرسة بوظيفتها التربوية الغائبة إلى مستوى التحديات، ولم تجدّد في بيئاتها لتكون جاذبة لا طاردة، ولم يطّور المعلمون في أساليبهم التدريسية، فسنجد أن مشهد تمزيق الكتب، وفرحة انطلاق الطلاب لخارج المدرسة وكأنهم يغادرون سجونا، سيتكرر، ولن يحل مشكلة تمزيق الكتب قول بعضهم، افرضوا غرامات على الطلاب، ولن تجدي محاضرات التوعية؛ وإلا لأجدت منذ زمن طويل، لقد كان يصعب أن أرى طلابا في المرحلة الابتدائية يمزقّون كتبهم على غرار ما يفعل طلاب المرحلتين المتوسطة والثانوية، لكن هانحن وصلنا إلى حيث ما لا نتوقعه، ولن يكون من المضحك ولا السخرية، لو قلت لكم لربما قد نشهد صغار الروضة يرمون كتبهم للتخلص منها عند بوابات روضاتهم!