عذراً، لستُ البادئ في أن أشعرَ بأنَّ نبضاتي ما عادت تخفقُ لكَ ذلك الخفقان الذي لو شحذ مسمعَكَ دونه حديثُ جبلٍ غاضبٍ، أو أنينُ أرضٍ تصدَّعتْ، ما وشوشَا على أذنيكَ في أنْ تستقبلَ همسة منه حين تكون روحك هي من ينصت لتلك القُبل الروحية!
كنتَ أنت من سبقني إلى ذلك، ويا ليتك سبقتني إلى خير. كنتَ في تآلفك معي لا تلوي على مزاجٍ صافٍ، ولا طريقة واضحة، ولا محجة بيضاء، وعليه فما كان حسُّك في قرارٍ مما تشعرُ به أبداً إلا أن يكون متغيراً وكفى.
آهٍ.. ما أمضَّ أسفي، وما أصدق أنيني، وما أشدَّ وجعي، حينما يلوِّحُ لي أحد تلك الأيام بيده في أسفلِ السماء الأولى من الذاكرة، ليصدح في الفضاءِ صوتُ قلبي القديم وقد تمرَّغ في وتر البكاء يدعونني لأن نمتزج في تلك الأغنية الجميلة التي لطالما كنا نتغنَّى بها من روحٍ واحدة وجسدٍ واحد.
آهٍ.. لو تعلم بأنَّ الأبَدَ الآبِد في الشديدِ من ألمي، والعتي من وصبي، لم يكُ في تأثيره الدامي عليَّ كاتِّفاقِكَ وبهجة الدنيا في أن تعرضا عن الأمل الوحيد الذي انشطر لي منكما فتراءى في أفقي!
آهٍ.. ثمَّ آه، لا أُلامُ والله، وقد كنتُ الأحقَّ بالغبنِ من ضميركِ لو أحياه هجري.
لِمَ تطمعُ في أن تراني مقاداً إلى ما لا هوَّة له إلا في وحْلٍ من الذّل، ومقيداً في طريقٍ لا يتبدى لي فيها إلا أثرٌ من غيابك وأثرٌ من قصي لأثرك عقب ما تيقَّنت
بأني لا أرى في غيركَ من البشر من يكون بطولِ قامتك في قلبي، وبجلالِ حضورك في عيني، وباستقرار قطعة فيك من روحي؟! لِمَ حين علمتَ بما لكَ عندي ذهبتَ متعززاً!؟
لِمَ تتفيهقُ على مداي الذي احتجنْتُكَ فيه لتُرى عالياً، في حين أن لا غيري بَسَطَ لكَ كفه، وخصص لك نفسه!
ليتك راعيتَ بنظرك من أشغلَ ناظريه فيك، وليتك قبضتَ بكلتا يديك محبة على فؤاده وهو يطَّوفُ حولك مغرماً، لكنَّك آثرتَ أن تبتعد أكثر عن الطبيعة التي تأتيك راغمة دون موعد، وأبيتَ أن تكون إلا ربيبَ الصنعة الملوثة التي لقيتْ في طبعك مكمناً لها تجدد فيه ثوبها الخَلِق!
عذراً، قد كنتُ والله راغباً في أن أتجاوز حسن ظني إلى أحسن منه، فما وجدتُ غير هذه الانبعاثات منك، فأحببتُ أن أردها في الهواء الطلق، لا لك، على أني أخشى أن يضيق بها الفضاء.