لشغفي الدائم وظمئي المتعطش إلى مفهوم الفن أخذت أبحث عن فهم فلسفة الفن بين أعمال التشكيليين السعوديين فهو أمر محبب إلى لدرجة أنني أنسى ذاتي الواقعية وأحيا بين أمواج ألوانهم وآفاق أفكارهم ودهاليز خيالاتهم فبحثي هذا أشبه بارتشافي للقهوة العربية يوميا ولكنني هنا ارتشف اللوحات التشكيلية بعيني لاقتفي آثار خطوات الفنانين كيف يخطونها؟
هذه الارتشافة اليومية -إن جاز التعبير- التي أحياها تذهب بي إلى تساؤلات عدة من هذا الحراك الفني فكثيراً ما أصادف لوحات لفنانين يُشار لهم بالبنان وحين أضع تجربتهم تحت مجهر عيني أجدهم مجرد ملونين يكررون أعمالهم منذ سنين والإشكالية أن هؤلاء هم الآن أسياد التشكيل السعودي -إن جاز التعبير- فالإعلام السطحي وأضواؤه جعل منهم متوهجين إلى حد التضخم الانبعاجي وحين تقترب منهم تجدهم خاوين فارغين كالكتلة من الهواء محتجزة بين دفتي طبل.
وفي المقابل أجد لوحات لفنانين وتجارب تستحق الإشادة والإشارة لهم كونهم عرفوا مقاييس العمل التشكيلي وأصبحوا يعملون عليه كقيمة فكرية وفنية تذهلنا نحن المهتمين والمتابعين لهذا الحرك الفني، فنجد أن عملاً واحدًا لمثل هؤلاء يوازي تجربة إن لم تكن الحياة الفنية كاملة لذلكم الملونين.وحتى استدرك مساحتي في هذا المقال استشهد بتجربة الفنان التشكيلي نادر العتيبي فهو أحد الوجوه المضيئة بالمشهد التشكيلي السعودي، فقد اشتغل الفنان نادر على المنجز الفني من جانبين:
الجانب الأول وهو ارتكازه على المضمون تحت مقاييس فكرية ومرجعية للقيم والمبادئ، فقد أجاد العتيبي هذا الجانب للعمل الفني وهو أنه أوجد فلسفة فكرية للوحة التشكيلية وهذا هو التحدّي الحقيقي الذي تميز به نادر دون غيرة، ليأتي بعد ذلك بالقيم اللونية والشكلية للعمل الفني ليضع اللمسة الجمالية الأخيرة من حيث التكنيك والتكوين والإيقاع والتضاد وما إلى ذلك من مقاييس فنية وأكاديمية. ومن هنا نعي أن الفنان نادر العتيبي قد اشتغل على ذاته الفنية بإجادته للواقعية كمرحلة أولى لتجربته متمثّلة في أعماله الشوق والراعية والبيوت القديمة، فقد أيقن نادر أن الواقعية هي القاعدة لكل المدارس التشكيلية متخطيها للمدرسة الرمزية بأعماله «دموع السحاب» و»عين الريم: وغيرهما وصولاً إلى السريالية بأعماله قضية معلّقة وصرخة من الأعماق والأماكن إلى أن وصل إلى ابتكار منهج مغاير عن المألوف بدمجه الحرف العربي مختزل بكل المدارس التي مرّ بها ليخرج لنا منجزاً فنيا اسماه نادر «رشاقة حرف» وهذا يثبت لنا حالة البحث المستمرة لدى نادر والاشتغال على الذات بالابتكار وليس التقليد يجبرنا بأن نترقب بالمشهد التشكيلي العربي وليس السعودي وحسب ان ثمة فناناً نادراً لدينا ولد من رحم الصحراء.