كثيرٌ من دول العالم المتقدِّم تركز على أهمية الأرصفة لتكاد تكون أهم معلم حضاري لديها ففيه ضمان لسير المشاة بأمان ويسر وفيه أيضاً ضمان لشكل منتظم لخطوط المنشآت المحاذية لها.. إضافة إلى التركيز على استخدام أجود أنواع مواد الرصف المستخدمة لتغطيتها وتقليل متطلبات الصيانة عليها. وخير مثال لذلك طريق الشانزليزيه في عاصمة العالم باريس والذي أصبح معلماً عالمياً بارزاً تشد إليه الرحال السياحية دائماً. والوضع السائد في مدننا هذه الأيام هو تكرار لما هو سائد بشكل عام في أغلب مدننا فالأرصفة شيء ثانوي قلّ أن تجد صاحب مشروع يحسب له أي حساب لعدم وجود رقابة عليه. وهذا يتضح في أغلب المشاريع المقامة مما أوجد كماً تراكمياً من الأرصفة غير المناسبة وغير القابلة للاستخدام الآدمي.. فهذا رصيف تحول إلى درج متراصة تنتهي في أبواب لمعارض العمارة القائمة على هذا الرصيف.. وهذا رصيف امتلأ بأشياء كان المقصود بها أشكالاً جمالية وانتهت إلى مرمى لعب المشروبات والزجاجات الفارغة التي لا يصل إليها عامل النظافة (والذي هو منشغل حالياً بالشحاذة في مواقع إشارات المرور وأمام المحلات التجارية وبالزي الرسمي لعمله أيضاً كأنه يشحذ للجهة التابعة لها). وهناك رصيف أصبح حديقة عرض لصاحب المعرض وتجده يستغل نهاية الرصيف لعرض بضاعته فيه غير آبه بإغفاله لحق المشاة على هذا الرصيف فهو قد أمن العقوبة كما يبدو..، وهذا رصيف آخر أصبح ورشة لتركيب وتفكيك أثاث صاحب المعرض الموجود عليه، وهذا رصيف احتل دينمو سحب المياه للعمارة مكاناً مرموقاً فيه محاط بأسلاك كهرباء مهترئة غير آمنة، إضافة إلى كثرة اللوحات الدعائية عليها والتي أصبحت عائق رؤية في الأرصفة الموجودة عليها، كل هذه الإخفاقات أصبحت معالم واضحة في مدننا الرئيسة.
كل هذه إعاقات واضحة نتجت من سطو واغتصاب متكرر لأرصفة مدننا وجميع هذه التراكمات تؤثّر في مستوى المدينة تخطيطاً وحضارياً ومهنياً وتعبِّر عن غياب واضح للرقابة وجودة الرقابة من الجهات المعنية بها. وما نراه اليوم من أمثلة تقوم بها أمانة مدينة الرياض مشكورة في إعادة تكوين للأرصفة هو ردة فعل لاختفاء الأرصفة إلا أن الحل الجذري هذا لا بد أن يكون جزءاً من التنظيم العام الذي يجبر كل من يبني على الشارع اتباعه حتى لا يستمر الكم التراكمي في اختفاء الأرصفة من جراء أصحاب المشاريع المقامة على الطرق.. وكنت أتمنى أن هذه الهمة التي نراها من أمانة مدينة الرياض لإيجاد أرصفة في شوارع الرياض تكون في شوارع أكثر حاجة لهذه الأرصفة مثل طريق العليا العام الذي يعتبر من أهم الشوارع المهمة في الرياض حالياً ويفتقر فعلاً إلى رصيف مستمر رغم كثرة المرتادين له وأهمية المحلات التجارية عليه.. وكذلك الحال لشارع التخصصي أو الشوارع الرئيسة المماثلة في معظم أحياء المدينة. إن الأرصفة الحالية جهود جيدة إلا أنها تفتقر إلى تطبيق النظام عليها، حيث أصبحت مساراً للدراجات النارية التابعة للتوصيل لمبيعات ووجبات الأكل السريعة.. وأصبحت السيارات تقف عليها وعلى ممرات المشاة الرابطة لها بدون حسيب أو رقيب هكذا يتصرفون وهنا لا بد من الإشارة إلى اختفاء درر الرقيب من الجهات المعنية (البلديات - المرور - الدفاع المدني). وبالمستوى المطلوب الذي يتناسب مع مستوى بلديات وأمانات المدن المنوطة بتلك الخدمات.