في السنوات العشر الأخيرة توسع التعليم العالي في المملكة بشكل متسارع نتيجة احتياجات فعلية فرضها نمو سكاني متزايد في مختلف مناطق ومحافظات المملكة، والواقع أن هذا التوسع الكمي لم يكن معدا له سلفا، بل فرضته ظروف الواقع التنموي والنمو السكاني المطرد خلال الثلاثين سنة الماضية ما أفرز شريحة سكانية شابة تمثل النسبة العظمى من السكان، وتحتاج إلى فرص التعليم والتأهيل والعمل، ولهذا كان القرار ضروريا بالتوسع العاجل، صاحب ذلك محاولة جادة لتقديم تعليم عال مقبول المستوى بمختلف عناصره ولكن المتطلبات المتعددة لذلك كثيرة، ومنها ما لا يمكن استعجاله بالمال ليبقى عنصر الوقت أمرا لا مناص منه.
العنصر البشري هو الأساس والمحور الرئيس والعنصر الأهم في إنجاز البرنامج التعليمي، ومستوى تأهيل وخبرة وأداء وإنتاج عضو هيئة التدريس هي العامل الرئيسي في أداء الجامعة لمهامها، وهو الترمومتر الذي يقاس من خلاله مستوى البرامج والمخرجات وقدرة الجامعة على تحقيق أهدافها.
جامعاتنا العزيزة تعمل على هذا المحور بدرجة جيدة وإن كانت الطموحات أكبر من ذلك، فأعمال التعاقد الخارجي والاستقطاب والمفاضلات الوظيفية للسعوديين جارية في الجامعات وبخاصة الناشئة منها لتلبية احتياجاتها من الكوادر التدريسية والبحثية المؤهلة علميا وبحثيا، لكن الواضح أن هناك معوقات تقف في تحقيق ذلك بدرجة مرضية ولهذا تحتاج الجامعات أن تقف عليها وتراجعها وتبحث في أفضل الأساليب لتكوين هيئات تدريسية متميزة تحقق أهدافها في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع.
آلية التعاقد مع هيئة التدريس غير السعوديين التي تضطر الجامعات للتعاقد معها لتغطية احتياجاتها في التخصصات النادرة بحاجة إلى إعادة نظر، فمن الواضح أن ثمة صعوبات تواجه اللجان الموفدة للتعاقد، فتضطر أحياناً إلى أنصاف الحلول، ولهذا تحتاج الجامعات إلى وضع آلية تعاقد تقوم على الإعداد المبكر والتواصل الفعال وبناء قاعدة بيانات حديثة باستدعاء الهيئات التدريسية في جامعات الدول المناسبة والأخذ بالأساليب التقنية في المراسلات والمقابلات، فلم يعد ذهاب اللجان مهماً كما كان من قبل، كما ننتظر من الجامعات بناء علاقات تعليمية مع الجامعات العربية والعالمية لتكوين قناة رئيسية لاستقطاب الهيئة التدريسية الدائمة أو الزائرة، باختصار هناك حاجة إلى عمل منظم متواصل يكفل استقطاب هيئة تدريسية متميزة طالما الحاجة قائمة لذلك.
تعيين المعيدين والمحاضرين من الخريجين السعوديين والسعوديات، سواء من أتموا تعليمهم في الداخل أو في الخارج يجب أن يفعل بدرجة أكبر مما هو عليه لأنهم المشروعات المستقبلية للكوادر التدريسية في الجامعات التي ستحل محل الكوادر المتعاقدة في سنوات قليلة مقبلة، أملنا أن يتوافر للجامعات أعداد كافية من وظائف المعيدين والمحاضرين كما من المهم أن يعهد إلى مجالس الأقسام ومجالس الكليات صلاحية التعيين المباشر لخريجيها وهي سياسة جامعية وتقليد أكاديمي متعارف عليه، فلن يجد أي قسم أفضل من أحد خريجيه المتفوقين أو خريجاته المتفوقات ليكون معيداً أو تكون معيدة يبتعثون ليكملوا دراستهم فيعودوا أعضاء هيئة تدريس في قسمهم.
ابتعاث المعيدين والمعيدات والمحاضرين والمحاضرات وخاصة إلى خارج المملكة لإكمال دراستهم العليا ما زال قليلا خاصة في التخصصات العلمية والطبية والتطبيقية قياسا بحجم احتياج الجامعات حاليا، كما أن الآليات المتبعة في الابتعاث تحتاج إلى تطوير وتفعيل من خلال روى جديدة، من أهمها تفعيل مذكرات التفاهم التي توقع مع الجامعات العالمية لتسهيل التحاق المعيدين والمعيدات والمحاضرين والمحاضرات لإكمال الدراسات العليا والعمل على تطوير برامج دراسات عليا مشتركة تنفذ مع الجامعات العالمية لتساعد المعيدات والمحاضرات على وجه الخصوص على إكمال دراستهن وتجاوز العائق الاجتماعي والظروف الأسرية، وهي ضرورة قصوى وإلا فستظل المعيدة معيدة والمحاضرة محاضرة إلى سن التقاعد، وهو وضع مخالف للهدف الذي عينت من أجله لتكون عضو هيئة تدريس تواصل مسيرتها الأكاديمية والبحثية في مجال تخصصها.
برنامج خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- للابتعاث منهل مهم من هيئة التدريس والمحاضرين والمعيدين وليس واضحا أن الجامعات ملتفتة آلية باهتمام كاف، بل إن قليلا من جامعتنا من سعى إلى وضع آليات استقطاب فاعلة من مخرجاته، رغم أنها كوادر تعلمت في جامعات عالمية وهي جاهزة أو في الطريق إلى ذلك، وتحتاج الفرصة التي تحرمها منها البيروقراطية أحيانا والتباطؤ أحيانا أخرى.
أشير هنا إلى مبادرة بعض الجامعات بإنشاء وحدة إدارية لاستقطاب هيئة التدريس وهي مبادرة هامة وآلية فعالة إذا ما أديرت بمهنية عالية وتوفر لها آليات عمل فعالة ودعم إداري قوي.
أخيراً لا بد من تسجيل إشادة بما تحقق والاعتراف بأن التوسع في التعليم العالي في المملكة تم في فترة زمنية قصيرة قفز خلالها عدد الجامعات السعودية الحكومية من سبع إلى خمس وعشرين ما أبطى تحقيق الاحتياجات كافة بمثالية لكن تأهيل وسعودة كوادر التدريس في الجامعات على وجه الخصوص أولوية تحتاج إلى تحرك سريع وفعال دون الإخلال بالنوعية والمستوى.
والله ولي التوفيق.