قبل نحو عقد من الزمان كان التعليم الجامعي متاحا لكل من أنهى الثانوية العامة من الشباب والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 18-22 عاما ليبقى على الطرف الآخر نساء ورجال ينظرون إلى الحياة الجامعية وعيونهم تملؤها الألم لأنهم لم يتمكنوا من تحقيق حلمهم الذي طالما حملته نفوسهم وعاش في مخيلتهم على مدى سني عمرهم بأن يكملوا تعليمهم الجامعي، وظل الحال كذلك حتى أطل العام 2003م وهو العام الذي يحمل بكل جدارة عام تحقيق الحلم بمواصلة الدراسة الجامعية والحصول على المؤهل الجامعي دون النظر إلى العمر او عام التخرج من الثانوية العامة ولا حتى التكلفة المادية وظروف العمل ومتطلباته فكل ذلك لن يقف بعد اليوم حائلا دون تحقيق الحلم بالحصول على الشهادة الجامعية.
ففي عام 2003م أطلق صاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز آل سعود رئيس برنامج الخليج العربي للتنمية « أجفند « ورئيس مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة شارة الانطلاق ليفتح الباب أمام التعليم الجامعي الذي يخاطب المستقبل ويواكب الغد لتصبح تلك الشمعة التي أشعل ضياءها سموه الكريم هي الشمس التي نراها تنير الدروب لكل باحث عن العلم المقرون بالعمل وبلغة عصرية ووفق منهجية أصبحت اليوم هي النمط الأكاديمي السائد في المملكة والكثير و العالم وهو إنشاء الجامعة العربية المفتوحة مواكبا في ذلك الوقت مستقبل الأيام، وكأنه كان يقرأ بثاقب خبرته ورؤيته ان هذا النمط الجديد من التعليم سيكون النمط الأكثر عملية وتلبية لمتطلبات سوق العمل وتحقيقا لآمال وطموحات ملايين البشر من النساء والرجال في الوطن العربي الكبير الراغبين في إكمال مسيرة التعليم حتى النهاية متوجين مشوارهم العلمي بالحصول على الشهادة الجامعية.
ومنذ إطلاق تلك المبادرة النبيلة عمل مع فريق من الخبراء والمستشارين المختصين في التعليم العالي على إيجاد كافة السبل لتكون الجامعة العربية المفتوحة صرحا أكاديميا سعوديا عربيا عملاقا لا يقوم على أساس الحصول على التعليم الجامعي فحسب بل تحقيق المعادلة الصعبة وهي الحصول على أجود تعليم وفق أعلى المعايير وملبيا لمتطلبات سوق العمل فلم يكن الهدف من إنشاء الجامعة العربية المفتوحة تكديس أعداد من الخريجين والخريجات العاطلين عن العمل، بل الهدف من إنشاء الجامعة وفق رؤية الجامعة «من أجل جامعة عربية مفتوحة متميزة وريادية في بناء مجتمع العلم والمعرفة» لنرى من خلال تلك الرؤية أن الهدف الأسمى من إنشاء هذا الصرح العلمي العملاق ليس التعليم في حد ذاته بل العمل على بناء مجتمع العلم والمعرفة الذي بات فيما بعد مطلبا ومنهجا في جميع دول المنطقة والعالم، ولتبدو الصورة أكثر وضوحا جاءت رسالة الجامعة العربية المفتوحة محددة أهدافها وبصورة عملية قابلة للتطبيق فرسالة الجامعة العربية المفتوحة تقوم على أساس «تطوير المعرفة ونشرها وبناء الخبرات وفقا لمعايير الجودة العالمية دون عوائق زمنية أو مكانية وذلك للإسهام في إعداد القوى البشرية التي تتطلبها التنمية المستدامة وبناء مجتمع العلم والمعرفة في البلدان العربية».
ومن خلال قراءة سريعة وعميقة نجد أن الحلم بإنشاء هذا الصرح العلمي العربي وكما هو ديدن قادة هذه البلاد منذ عهد المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود - طيب الله ثراه - لم يكن لفئة دون أخرى، بل لخدمة الأمتين العربية والإسلامية، ويبدو ذلك واضحا من خلال رسالة الجامعة العربية المفتوحة التي نصت صراحة على مسألتين هامتين:
الأولى: أن تقوم الجامعة من خلال ما تقدمه من تعليم بإعداد القوى البشرية التي تتطلبها التنمية المستدامة ليس في المملكة فحسب بل في جميع أرجاء الوطن العربي الكبير وأن تكون المملكة العربية السعودية على الدوام شمس الإسلام والعروبة والنماء.
أما المسألة الثانية: فهي بناء مجتمع العلم والمعرفة وهي الصورة المثالية للمجتمع الذي نريد ليكون مجتمعا عصريا قائما على العلم والمعرفة و قادرا على البناء والتنمية والتطور.
ولن نخفي الحقيقة إن قلنا: إن فكرة الجامعة العربية المفتوحة لم تكن حلما سهل المنال فقد وقف لتحقيقه طاقات من الرجال والنساء الذين آمنوا بالفكرة وبأن حق التعليم يجب أن يكون متاحا لكل من يرغب في الحصول عليه دون إبطاء أو تأخير وكان على رأسهم جميعا خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود - يحفظه الله - الذي ما إن عرضت الفكرة على مقامه الكريم حتى كان أول من دعمها ووقف إلى جانب تحقيقها إيمانا منه - حفظه الله - بأهمية العلم وبضرورة ان يكون التعليم مواكبا للتنمية المعاصرة ووفق أعلى مستويات الجودة الأكاديمية من خلال إضافة أنماط جديدة للتعليم الجامعي يوفر الفرصة لكل راغب في التحصيل الدراسي والحصول على المؤهل العلمي و المساهمة في التنمية والبناء، فكان أن تفضل - أيده الله - بإصدار أمر ملكي بإنشاء الجامعة العربية المفتوحة بالمملكة العربية السعودية لتكون أول جامعة غير حكومية وليس هذا فحسب فمكرمات المليك المفدى لا تقف عند حد - رعاه الله - فقد تفضل بتقديم دعم مادي سخي ليكون أول زعيم عربي يتبرع لإنشاء الجامعة التي رأت النور في ربيع عام 2003م.
وما دمنا قد استعرضنا قصة الإنشاء فحري بنا ان نقرأ بكل فخر مسيرة الإنجاز لهذا الصرح العلمي السعودي العربي فقد تمكنت الجامعة خلال عشر سنوات من عمرها المديد بإذن الله أن تكون مصنعا للقوى البشرية بنسائها ورجالها واستطاعت أن تقدم القوافل تلو الأخرى من الخريجين الذين بلغ عددهم ثلاثين الف خريج حتى اليوم، كما عملت على التوسع في العالم العربي انطلاقا من رسالتها النبيلة والتي تقوم على أساس توفير التعليم الجامعي للإنسان العربي فكان أن أنشأت 8 فروع في ثماني عواصم عربية من مسقط إلى الخرطوم، وفي المملكة العربية السعودية تلك القارة الكبيرة مساحة ومكانة وثقلا تحتضن 6 مدن سعودية مراكز للجامعة العربية المفتوحة في كل من الرياض وجدة والدمام وحائل والمدينة المنورة والأحساء.
وتحظى الجامعة بالاعتماد الأكاديمي من الجامعة البريطانية المفتوحة ليكون خريج الجامعة العربية المفتوحة حاصلا على الاعتماد الأكاديمي العالمي إضافة إلى الاعتماد من مقام وزارة التعليم العالي في المملكة التي أولت الجامعة عنايتها الخاصة بالدعم والتوجيه والمساندة ما يوفر له الفرص الكبيرة للاستزادة من العلم والمعرفة ومن أرقى الجامعات العالمية.
وإذا كانت هذه الجامعة قد واجهت في بواكيرها بعض الصعوبات نظرا للنمط الأكاديمي الجديد الذي تقدمه والذي لم يكن معروفا في العالم العربي من قبل نجد انها اليوم أصبحت مثالا يحتذى في التعليم الجامعي في عدد من عواصم العالم العربي ومن بينها المملكة وهو لعمري دليل عملي واضح على نجاح التجربة والنمط والأسلوب فقد أصبح التعليم المفتوح والإليكتروني لغة هذا العصر في التعليم الجامعي.
إننا ونحن نستذكر سيرة ذلك العقد من العطاء على جيد الزمن لا نملك إلا أن نقف احتراما وتقديراً وإجلالا وتبجيلا لرجل جعل العلم هدفه فأضاء مشعلا اضحى شمسا أشرقت بنور خيوطها الذهبية في كل سماء عربية لتبقى الجامعة العربية الصرح العلمي العربي السعودي العريق الذي أسهم في بناء المجتمع القائم على المعرفة والعلم، وسيبقى عطاؤه على الدوام منارا للبشرية جمعاء ولتكون شجرة العطاء وارفة الظلال.