قد تبدو فكرة الاستثمار في الأسهم الليبية غير منطقية في وقت تشيع فيه الفوضى في البلاد وتسيطر ميليشيات مسلحة على مرافئ نفط ووزارات إذا أرادت.
ومنذ الإطاحة بالعقيد معمر القذافي في عام 2011 تجد الحكومة الليبية صعوبة في إقرار القانون والنظام وبسط سيطرتها على البلد الصحراوي الشاسع الذي تنتشر فيه الأسلحة.
ورغم الاضطرابات تستعد البورصة الليبية لإطلاق أول صندوق استثمار إسلامي وهو اهم طرح عام أولي في البلاد منذ الحرب التي استمرت ثمانية أشهر.
من جانبه قال الرئيس التنفيذي لمجموعة البركة المصرفية عدنان يوسف: إنها ستكمل توسعها باتجاه ليبيا والمغرب في مطلع عام 2014 في خطوة تهدف إلى تعزيز أنشطة المجموعة العاملة وفق أحكام الشريعة الإسلامية، وكان يوسف قد قال لرويترز في أبريل نيسان الماضي إن البنك يهدف إلى تعزيز أنشطته الدولية مع التركيز على افريقيا في إطار خطة مدتها خمس سنوات تتضمن استثمارات في ليبيا والمغرب.
كما تأمل السلطات ان يقود وجود هيئة رقابية حديثة العهد في ليبيا إلى الشفافية الغائبة عن السوق ويجذب مستثمرين يقبلون على المخاطرة.
وبعد موجة الهبوط في الآونة الأخيرة أضحت الأسهم الليبية الأرخص بين البورصات الإقليمية. وكانت أسعار أسهم البنوك الكبرى عند 25 دينارا ليبيا (20 دولارا) للسهم في السابق ولكنها نزلت الآن لأقل من عشرة دنانير.
ومع ذلك يقر مسؤولو البورصة بصعوبة الترويج لدولة تتصدر العناوين في اخبار الاقتتال وحوادث إطلاق النار في حين يجوب إسلاميون متشددون الشوارع.
وقال أحمد كرود مدير البورصة الذي يجلس في مكتب فسيح يقترب من مساحة قاعة التداول «نحتاج الاستقرار».
ويأمل مسؤولون ان تهدأ الاضطرابات في ليبيا بما يسمح بنمو الاقتصاد.
وليبيا في أمس الحاجة لإعادة البناء بعد الحرب الأهلية المدمرة وتتضمن الميزانية وحجمها 55 مليار دولار انشاء مطارات ومستشفيات وجامعات جديدة غير ان الجمود السياسي يحول دون إنفاق الأموال.
ورغم الاضطرابات فإن ليبيا دولة غنية تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في افريقيا. وافتتحت علامات تجارية غربية مثل نايكي وماركس اند سبنسر متاجر في نفس الحي الراقي الذي تقع فيه البورصة.
ونتيجة لذلك تخشى الشركات الغربية ضخ أموال في ليبيا ما يحرمها من رأسمال وخبرة تحتاجها البلاد لتنويع مواردها الاقتصادية التي يهيمن عليها النفط.
كما ساهمت الخلافات العمالية والقيود على الملكية الاجنبية والبيروقراطية المعوقة في فتور الحماسة لتنفيذ أعمال رغم امتلاك ليبيا المال اللازم لتوفير احتياجاتها الهائلة في مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم.
وقال الكس وارن من مجموعة فرونتير التي تدير موقع ليبيا ريبورت الالكتروني «تأشيرات العمل لازالت باهظة التكلفة وفضلا عن بيروقراطية مستعصية تهدر الوقت والنظام المصرفي يظل ضعيفا مع صعوبة التنبؤ بالاطار القانوني للعمل».
وتشمل المشاكل الاخرى غياب الامن والاضطرابات العمالية وعدم اليقين السياسي.
ولم تستكمل اعمال مد الطرق ولم يتم تطوير المستشفيات في حين تقف رافعات بلا عمل منذ ما يزيد على عامين في حين يطالب حكام ليبيا الجدد الشركات الاجنبية بالعودة وإعادة بناء البلاد.
ويحصل الليبيون على اعانات سخية من الحكومة تسهم في تأجيج الإنفاق الاستهلاكي ويتسوق المواطنون من فروع متاجر بريطانية من بينها ماركس اند سبنسر ونكست في طرابلس.
والبورصة الليبية صغيرة حتى بمعايير المنطقة وتصل القيمة السوقية لأسهمها نحو ثلاثة مليارات دولار مقارنة مع بورصة القاهرة 70 مليارا والدار البيضاء 50 مليارا.
وعلى مستوى العالم العربي ليس هناك اصغر من البورصة الليبية سوى بورصتي الخرطوم ودمشق. ولا تضم البورصة سوى 11 سهما معظمها لبنوك وشركات وتأمين مقارنة مع 13 في عهد القذافي.
وحين أسست ليبيا البورصة في عام 2007 كان الهدف جذب رأس المال بعد سنوات من العزلة. غير ان الأجانب احجموا عن الاستثمار بسبب الفساد والقيود على العملة.
ورغم المساواة في معاملة المستثمرين الاجانب والليبيين في البورصة فإن تعاملات الأجانب لا تتجاوز 1.5 في المئة من الصفقات المبرمة.
وقال كرود لرويترز: إن أحد المشاكل هو أن البنك المركزي يرفض قيودا على تحويل النقد الاجنبي لخارج ليبيا مضيفا ان البورصة تسعى لتغيير ذلك.
وتأمل البورصة الآن أن تضخ صناديق إسلامية مبالغ ولو ضئيلة في سوق جديدة. وأصدر البرلمان قرارا يلزم البنوك بتطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية ويحظر الفائدة بحلول عام 2015.
وذكر كرود انه يجري الاعداد لتأسيس صندوقين عقاريين إسلاميين وقدر حجم الأول عند 165 مليون دينار ليبي من المقرر اطلاقه في ابريل نيسان بعائد سنوي متوقع 20 بالمئة أما الصندوق الثاني فحجمه 300 مليون دينار وسيأتي بعد الأول ببضعة أشهر.
وأضاف ان عدة شركات تنوي إدراج أسهمها ولكن تنتظر موافقة الجهة الرقابية. وتدرس السلطات طرح اسهم شركات كبيرة مملوكة للدولة مثل ليبيانا مشغل الهاتف المحمول ومن شأن ذلك ان يضخ سيولة وينهي هيمنة أسهم البنوك.
لكن الخطط ارجئت لأن طرح أي شركة للبيع سيثير قضية الاستغناء عن موظفين في شركات تعاني من عمالة زائدة وهو أمر يتسم بالحساسية.
ورغم ذلك لا يزال المستثمرون قلقين.
ويقول جاري فان ستادن المحلل السياسي البارز في ان.بي.كيه اندبندت ايكونوميستس: إن الاهتمام المؤسسي بليبيا متدن نظرا لان الاسواق الافريقية الاخرى تمنح عائدات منخفضة المخاطرة.
وتابع «لكن أعتقد ان امام ليبيا مستقبل أكثر اشراقا عما توحي به الأوضاع الحالية لذا ربما تكون مسألة وقت قبل ان ينظر اليها مستثمرون جادون.
«في ذات الوقت ربما يدخل السوق مستثمرون يضاربون بجزء من أموالهم وربما تكون العائدات مغرية بما يقلص المخاطرة.»
ويمثل نقص السيولة مشكلة أكبر إذ إن بعض الاسهم لا تكاد تتحرك حسب متعامل يتملكه الملل.
ويقول «بدأنا العمل منذ ما يزيد على ساعة ولم نبرم سوى صفقتين حتى الآن.»
ويقول دانييل بروبي مدير الاستثمار في سيلك انفست البريطانية لإدارة الأصول في الأسواق المبتدئة إن التحول لمنتجات تلتزم بأحكام الشريعة ربما يساعد البنوك الحكومية العتيقة على التحول نحو نموذج أعمال قابل للاستمرار ولكن البورصة الخاملة تحتاج نشاطا أكبر.
ويضيف بروبي « سبق ان ألقينا نظرة على البورصة ووجدنا أنها تفتقر للسيولة والعمق.»
وكانت تجربة المستثمرين الليبيين مع البورصة منذ استنئاف العمل بها في مارس آذار أليمة ويقول كرود: إنها هبطت 25 بالمئة في عام 2013 بسبب الفوضى. وفقدت البورصة 40 بالمئة من قيمتها منذ تدشينها في 2007.
وقال مفتاح شبل تاجر الذهب «هل ترى الارقام ؟هل هذا مقبول» وهو يحاول استيعاب أحدث الأرقام التي تظهر على الشاشات الضخمة في قاعة الاستقبال.
وذكر أنه اشترى أسهما بقيمة 15 ألف دينار قبل عام وأن جزءا منها فقد 40 بالمئة من قيمته.
وأضاف «لم أكن شديد التفاؤل ولكن أردت تنويع مدخراتي.» وألقى شبل باللوم في هبوط البورصة على المؤسسات الحكومية الضعيفة.