لا يخفى عليكم ما فعله مؤخراً بعض الجهلة الذين استخفوا بولاية المسلمين وتساهلوا بمخالفة إمام المسلمين والخروج عن طاعته فأمكن الله منهم رجال الأمن الذين يسهرون على حماية البلاد والعباد ومقدسات المسلمين ولا شك أن فعلهم هذا منكر عظيم ومن أعظم أسباب الفساد في البلاد والعباد ومن أسباب حصول الفوضى والتشتت بين المسلمين، وترك لزوم جماعة المسلمين وهذا الفعل من أسبابه الجهل بأحكام الدين وعدم الاعتصام بما جاء في كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ} (153) سورة الأنعام، ومن أسبابه اتباع الشبهات كشأن طوائف المبتدعة فضلوا بهذه الشبهات وصارت فتنة لهم ولغيرهم. ومن أسبابه اتباع الهوى والإعراض عن الكتاب والسنة قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} (50) سورة القصص، ومن أسبابه التعصب للآراء والفرق الضالة مما يحول بينهم وبين معرفة الحق بدليله. قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} (170) سورة البقرة، ومن أسبابه الغلو في دين الله والطعن في العلماء ورميهم بالمداهنة وإساءة الظن بهم قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59) سورة النساء، ولم يستثن سبحانه وتعالى براً ولا فاجراً، فطاعة ولي الأمر من الأمراء والعلماء وترك منازعتهم هي فصل النزاع بين أهل السنة والخوارج وأيضاً من أسباب هذا المنكر المسارعة إلى التكفير على غير هدى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الرد على البكري: «فلهذا كان أهل السنة والجماعة لا يكفرون من خالفهم وإن كان ذلك المخالف يكفرهم لأن الكفر حكم شرعي فليس للإنسان أن يعاقب عليه.. وكذلك التكفير حق لله فلا يكفر إلا من كفره الله ورسوله» انتهى.
وقد تضافرت النصوص الشرعية على وجوب السمع والطاعة للولاة في غير معصية الله، ففي صحيح البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة». وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: «عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك» والخروج من ذلك كله هو تحكيم الكتاب والسنة والتمسك بهما ومعرفة نهج سلف هذه الأمة ودعاة الهدى قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) سورة النساء، وأيضاً الحذر والتحذير من اتباع الهوى واتباع فرق الضلال وأيضاً التعاون على البر والتقوى وعدم التعاون على الإثم والعدوان بالخروج عن الجماعة وشق الصف وإشاعة الفوضى بين المسلمين قال تعالى: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) سورة المائدة، وأيضاً المخرج من هذه الفتنة بالتفقه في الدين وأخذ العلم النافع ممن يوثق في دينهم وورعهم وتقواهم.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يحبه ويرضاه وأن يثبتنا على دينه وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ومن مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يوفق خادم الحرمين الشريفين وإخوانه وأعوانه لما فيه خير وصلاح البلاد والعباد إنه سميع الدعاء قريب الإجابة.