اطلعت على التقرير الذي عرضه المذيع اللامع براين وليامز، في قناة ان اب سي الأمريكية عن التعليم في فنلندا، وقد جاء التقرير بعد أن حازت فنلندا على المرتبة الأولى عالمياً في جودة التعليم، وغني عن القول إن فنلندا كانت، حتى قبل ربع قرن، دولة شبه فقيرة تعتمد على الزراعة، ثم قررت، كما اليابان بعد الحرب العالمية الثانية، أن ترتقي بنفسها عن طريق العلم، وتحديداً التكنولوجيا، وها هي اليوم، بعد جيل واحد، تتربع على عرش العالم في هذا المجال، وهي بالمناسبة المقر الرئيس لشركة نوكيا، والتي لا أظن أن هناك إنساناً على ظهر هذا العالم لا يعرفها، إن لم يكن قد استخدم منتجاتها، ومن أهم ما يميز التعليم الفنلندي، بجانب المباني المتخصصة، أنه يشترط حصول المعلم على درجة الماجستير، كما أنه يستخدم الكثير من الإستراتيجيات المبتكرة، مثل مشاركة أكثر من معلم في تدريس الفصل الواحد، وكذلك استخدام التقنية، وهو ما جعل هذه الدولة الصغيرة تتفوّق على كل دول العالم!
خلال الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة التربية والتعليم السعودية عن عدة مبادرات، وذلك بعد الدعم السخي لميزانيتها بثمانين مليار ريال، وهذا مبلغ ضخم، كفيل بإعادة صياغة التعليم الذي عانى الوطن كثيراً من مخرجاته الهزيلة، وكانت أهم المبادرات، من وجهة نظري، هي ابتعاث المعلمين إلى الدول المتقدِّمة، وهذه خطوة جبارة، فالتدريب أمر هام، خصوصاً إذا تم ضبط معايير الاختيار، والمتابعة الدقيقة، وما زلت أذكر، أثناء دراساتي العليا في الولايات المتحدة، أنني لاحظت وجود بعض المعلمين الأمريكيين، يدرسون معنا في بعض المواد الخاصة بتقنيات، وإستراتيجيات التعليم، وعلمت منهم أن هناك شرطاً أساسياً لكل معلم، يتمثَّل في وجوب دراسته بعض المواد الأكاديمية المنتقاة بعناية كل عامين، ومن لم يفعل، يتم الاستغناء عن خدماته!!
يعترف الجميع بأن هناك خللاً في بنية التعليم لدينا، فإضافة إلى قلة المدارس التي تتمتع بالمواصفات المناسبة للبيئة التعليمية الصحية، هناك المناهج، سواء من حيث كثرتها، أو محتواها، كما أننا نعلم أن توظيف المعلم لا يخضع لأي معايير علمية، إذ هو مثل أي وظيفة إدارية أخرى، يتقدم لها الخريج الجامعي، ونعلم، ويعلم مسؤولو الوزارة الموقرة أن بعض المعلمين غير مؤهل، سواءً من الناحية العلمية، أو النفسية للقيام بهذه المهمة الجليلة، ولعل فكرة ابتعاث المعلمين نبعت أساساً من هذه القناعة، ولذا فإنني أقترح على مسؤولي الوزارة أن يحاولوا الاستفادة من التجربة الفنلندية الرائدة من خلال اطلاع مسؤولي التعليم، والمعلمين في المملكة على هذه التجربة، وابتعاث بعض المبدعين من هؤلاء إلى فنلندا للإفادة، وأهم من كل ذلك أرى أهمية عقد اتفاقية تعاون مع فنلندا في مجال التعليم، وخصوصاً أن سمو الوزير أكد في مؤتمره الصحفي، قبل أيام، على أهمية تطوير البيئة التقنية، ودمج التقنية في التعليم، وهذا هو ما تتميز به التجربة الفنلندية الأولى عالمياً!