لم تكن صدمة فنان العرب في بداياته الفنية حين رفضته إذاعة السعودية هي الوحيدة في حياته، حتى في أول ظهور له على المسرح، فقد شهدت فشلا لمحمد عبده، لكن هذا الفشل، أثمر له علاقات واسعة مع أهم كتاب القصيدة الغنائية أمثال طاهر زمخشري وإبراهيم خفاجي.
في حلقتنا الثالثة عن تاريخ فنان العرب واستنادا لمحمد صادق دياب، نستذكر هنا أول ظهور تليفزيوني لأبو نوره ورحلته الأولى لبيروت وأغنية «ماكو فكة» والتي تعتبر انطلاقته من الكويت، وغيرها من القصص:
فشل التجربة الأولى على المسرح
لعل النجاح الذي حققه محمد عبده عبر أغنية (سكبت دموع عيني) هو الأمر الذي شجع المسئولين في الإذاعة على توجيه الدعوة له للمشاركة في مسرحها. كان المسرح حتى ذلك الحين مقصوراً على كبار الفنانين أمثال:
طارق عبد الحكيم وطلال مداح وعبد الله محمد لذا كان قبوله الدعوة وهو الفنان المبتدئ مغامرة لم يحسبها الفنان محمد عبده بدقته المعتادة.
ولعل مما زاد الأمر صعوبة أن نجم المسرح في ذلك العام هو الفنان عبد الله محمد الذي كان في قمة تألقه عبر أغنيته الشهيرة (حيران ولي سنة)، فقد استطاع عبد الله محمد أن : (يأكل) جو المسرح في تلك الليلة، ولم يبق لمن معه من الفنانين أمثال محمد عبده وسعود زبيدي مساحة متاحة من اهتمامات الجمهور، ويمكن تحديد العوامل التي أدت إلى فشل تجربة محمد عبده الأولى على المسرح بالتالي :-
1 - أن القصيدة التي تغنى بها محمد عبده في تلك الليلة ، وهي بعنوان (أعلل قلبي) كلمات سعيد الهندي ولحن عمر كدرس، كانت على مستوى الكلمات واللحن أكبر من إمكانات صوت محمد عبده في ذلك الحين، ولم يستطع الكدرس الذي كان يقف خلف ذلك الصوت أن يقدم في تلك الليلة لحناً ينسجم مع تلك الخصائص والسمات الصوتية لمحمد عبده في تلك المرحلة من العمر.
2 - جدة التجربة على محمد عبده، إذا كانت المرة الأولى التي يصعد فيها على خشبة المسرح ليغني أمام الجمهور.
3 - طغيان شعبية عبد الله محمد وحضوره الجماهيري في تلك المرحلة التي يمكن أن نطلق عليها مرحلة عبد الله محمد الفنية التي استطاع أن يصبغها بجملته اللحنية.
ويعلق محمد عبده على تلك التجربة فيقول : (لقد تعلمت من تجربة المسرح تلك أن لا أزج بنفسي في خبرة فنية قبل أن أعد نفسي لها ، لذا قررت الابتعاد عن المسرح مؤقتاً ريثما أنشئ علاقة إيجابية بيني وبين الجمهور من خلال حفلات الزواج وغيرها من الحفلات الخاصة، لذا كنت أستجيب في تلك المرحلة لكل حفل أدعى إليه، وبصورة خاصة تلك الحفلات التي تقام في مكة المكرمة، فأهل مكة يتسمون بذلك الحس الفني المرهف، كما أتاحت لي فرص التعرف على شخصيات كبيرة وهامة في حياتي أمثال طاهر زمخشري وإبراهيم خفاجي، وغيرهما من الشخصيات التي تركت بصماتها واضحة على ملامح مشواري الفني).
بيروت ... بيروت
في عام 1964 م دخل مشوار محمد عبده الفنان مرحلة جديدة هي مرحلة السفر إلى الخارج والغناء بمصاحبة فرق موسيقية متكاملة، وجاءته هذه الفرصة حينما عرض عليه الإذاعي الكبير - آنذاك - عباس فائق غزاوي والشاعر المبدع طاهر زمخشري (رحمه الله)، القيام بمهمة تسجيل بعض النصوص الغنائية للإذاعة السعودية في بيروت، وكانت في معظمها نصوصاً تتصل ببعض المناسبات كالعيد والحج وغيرهما، وهي من تأليف طاهر زمخشري وصالح جلال وألحان الكدرس.
بابا طاهر ينقذ الموقف
وفي بيروت أنجز محمد عبده تسجيل كل الأغنيات التي جاء من أجلها، وأضاف إليها أغنيات عاطفية ثلاث من ألحان الكدرس، لكن محمد عبده أدرك بحسه الفني أن كل تلك الأغنيات لن يكتب لها الذيوع والانتشار، وأن ليس فيها ما يمكن أن يثبت خطاه في شارع الفن.
وأحس بابا طاهر بما يشعر به ذلك الفنان الناشئ من اضطراب، فقرر أن يتدخل بثقله لإنقاذ الموقف، واتفق مع الملحن محمد محسن على تلحين أغنية (خاصمت عيني من سنين) ليتغنى بها محمد عبده وهي من كلمات بابا طاهر نفسه.
وفي أول لقاء يجمع محمد عبده بالملحن محمد محسن في مكتب الأخير، استمع محمد عبده لأول مرة لكلمات القصيدة ولحنها، ولم يكن يفرغ محمد محسن من عرضها عليه حتى كان الفنان محمد عبده قد حفظها نصاً ولحناً .
فأمسك محسن بسماعة الهاتف وقد تملكته الدهشة ليسأل بابا طاهر قائلاً : دخلك أستاذ طاهر، بدّي «يعني أريد» أسألك أن كنت قد بعثت لي مطرباً والا جهاز تسجيل).
وبدأ استعداده للتسجيل الفوري، وكان أغنيته (خاصمت عيني ) باعتراف محمد عبده ذاته هي أكبر إنجاز فني حققه خلال تلك الرحلة.
محمد عبده في التلفزيون
يعتبر أول ظهور للفنان محمد عبده على شاشة التلفزيون عام 1965 م عبر تلفزيون شركة (أرامكو) الذي كان يبث برامجه في دائرة محدودة من المنطقة الشرقية، فلقد أطل محمد عبده عبر تلك الشاشة على جمهوره مرتدياً الثوب والكوفية ليغني لهم (يا سما) و(المقدر)، لكن أول ظهور له في التلفزيون السعودي جاء بعد ذلك عبر أغنية (سكة التايهين) من كلمات ناصر بن جريد وألحان طارق عبد الحكيم، وهي الأغنية التي حققت الكثير من الذيوع والانتشار.
وفي مسرح التلفزيون في الرياض قدم محمد عبده (يا عروس الروض) و (أول يوم) من كلمات فالح وألحان طارق عبد الحكيم و (لنا الله) من كلمات الخفاجي وألحان طارق عبد الحكيم، والأغنية الأخيرة كان يفترض أن يتغنى بها الفنان طلال مداح لكن طارق عبد الحكيم اضطر أن يقدمها بصوت محمد عبده بعد أن ظلت حبيسة مكتب طلال بضعة أعوام .
ماكو فكة
تعتبر الكويت عام 1966 م إحدى المحطات الفنية الهامة في حياة محمد عبده الفنية، فلقد ظهر هناك بأغنية (ماكو فكة) من ألحان يوسف المهنا التي أكسبت محمد عبده قدراً كبيراً من الجماهير الخليجية التي راحت تردد (ماكو فكة)، كما سعى محمد عبده إلى دعم نجاحه هناك بأغنيتين من ألحانه قدمهما خلال فترة تواجده هناك هما (أوحشتنا ياحبيّب) من كلمات الغريب، و( مادام النظر مسموح) من كلمات الخفاجي، ويؤكد بعض النقاد أن تلك الفترة تعد من الفترات التي أسهمت كثيراً في تحقيق انطلاقة محمد عبده وتشكيل شهرته على المستوى الخليجي .