بعد حادثة حريق مدرسة البنات بمكة المكرمة، تم دمج الرئاسة العامة لتعليم البنات مع وزارة التربية والتعليم، وعلى أثر هذه الحادثة شكلت لجان في كل إدارات التربية والتعليم شاركت فيها عدد من الجهات الحكومية ذات العلاقة للنظر في دراسة واقع المدارس، وفق نماذج لجمع المعلومات عن البنية التحتية تحديداً، وخاصة التكييف والتمديدات الكهربية ودورات المياه، وكان الهدف تأمين حاجات المدارس الضرورية وتهيئتها لتكون مستوفية لأهم متطلبات الأمن والسلامة، وأن تكون البيئة المدرسية بيئة جاذبة مريحة للطلاب والطالبات .
تم تحليل البيانات ودراستها، واستخلاص النتائج، وكان الواقع مراً، وكان الأمل ـ في أقل الأحوال تفاؤلاً ـ أن تعيد وزارة المالية النظر في معايير تحديد المبالغ المالية لكل مدرسة فيما يخص عمليات الصيانة والنظافة، ولكن كالعادة تم تناسي الصدمة، وبقيت الأمور على حالها، ولم يستفد من نتائج الزيارات الميدانية، وذهبت الآمال في تحسين الواقع أدراج الرياح.
وأثناء حراك اللجان التي تزور المدارس، كانت وزارة التربية في حالة استنفار، وعقدت عدة اجتماعات للنظر فيما يمكن القيام به للعام الدراسي القادم، أذكر في أحد تلك الاجتماعات ومن فرط الحماسة طرحت فكرة أو مقولة « يجب أن تمتد يد الإصلاح كل مدرسة «.
وبصفتي مديراً للتربية والتعليم بمنطقة الرياض، طلبت الحديث تعقيباً على الرؤى المطروحة لعمليات الإصلاح، قلت: خلال السنوات الخمس الماضية طرحت المئات من عمليات الصيانة لدورات المياه، وللتكييف والتمديدات الكهربية، ولم ينجز إلا حوالي 30 % مما يجب إنجازه في هذه الأعمال التي تُعَد ذات أولوية وحيوية بالنسبة للطالب خلال يومه الدراسي في المدرسة، لم تنجز إلا هذه النسبة المتواضعة جداً، والتي طالما عانى منها مديرو المدارس ومازالوا يعانون منها حتى الآن، دورات مياه معطلة، وأخرى غير ممكنة الاستخدام، والتكييف (حنة ورنة) دون تبريد، وأسلاك كهرب عارية، وقس على ذلك مما يطول حصره من أعمال كلها ذات أولوية يجب المبادرة إلى معالجتها.
وهنا قد يقول قائل: وما الذي منعكم من إنجاز هذه الأعمال التي لا تقبل التسويف أو التأجيل لكونها ذات أولوية مطلقة على كل الأعمال ؟ أقول: السبب الذي حال دون تحقيق الحدود الدنيا لما يجب تحقيقه في هذه الأعمال تمثل في سببين، الأول ضعف المخصصات المالية، حيث بلغ المخصص المالي للمدرسة في بند الصيانة والنظافة خلال عام كامل حوالى سبعة آلاف ريال، الأمر واضح لذوي اللب، ولا يحتاج إلى تعليق، والسبب الثاني أنّ كل مدرسة تعاني من تهالك جل دورات المياه، ومن تدني التكييف، وأعطال التمديدات الكهربية.
وبعد أن تبين للحضور أن « الشق « أوسع بكثير من الرقعة، طرح أحدهم فكرة أن يتولى مديرو المدارس في الصيف شراء « بوية وفرشاة « ويوكل لكل معلم دهان فصله، وعندما يأتي الطلاب مع بدء العام الدراسي يجدون تغيراً في مدارسهم، وبهذا تمتد يد الإصلاح كل مدرسة وكل فصل، هذه أفكار البعيدين عن الواقع التربوي، الذين آخر عهدهم بالمدارس عندما كانوا طلاباً، وهؤلاء هم الذين يخشى منهم ومن أفكارهم السطحية في وضع الخطط التطويرية للتعليم، أو المشاركة فيها، فتطوير التعليم يحتاج إلى رؤى أعمق، وأفكار أشمل، وملامسة أدق وأصدق للعناصر التي تشكو من ضعف ونقص، والتي تُعَد مفاصل رئيسة في عمليات التعلم والتعليم، والبيئة المدرسية، والبنى التحتية للمدارس .
الآن وبعد أن دعم خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - تطوير التعليم بثمانين مليار ريال، وهذا رقم سخي لا حجة لأحد بعد اليوم أن يتدثر بعباءة المعوق المالي، لهذا يتطلع المجتمع أن تكون الرؤى والأفكار التطويرية للتعليم على مستوى من النضج والقدرة على صياغة خطة تطويرية نوعية شاملة غير مسبوقة تنهض بالتعليم في المملكة العربية السعودية، إلى مصاف الدول التي يشار إليها بالبنان، وهي جديرة بذلك بشرط عدم الاستعجال وحرق المراحل.