من أصعب الأشياء التي تمر على الإنسان هي عندما تختلط المشاعر المتضادة داخل (مخه) ويعجز عن إعطاء الإشارة الصحيحة!! تماماً كما يحدث مع أحدنا عندما يخلع ضرساً ويضطرب مخه بإعطاء إشارة الفرح للخلاص من الألم أو إشارة الحزن لفقده أحد أعضائه.. وهذا ما يحدث تماماً الآن مع الهلاليين بعد قرار الاستغناء عن المدرب سامي الجابر، فالهلاليون يعيشون حالة عزاء والقراركان فاجعاً لهم ودخلوا في حالة حزن عميق لفراق أحد أبنائهم، ولكنهم فرحوا أيضاً لفراقه!! قد يبدو هذا تخريفاً أو تصويراً لحالة اكتئاب (ثنائي القطب) لكنه واقع معاش تماماً مع القرار في الحقيقة.. فهم حزينون على فراق سامي الذي هو أحد أساطير النادي والذي فرض عليهم احترامه وعشقه وهاموا به عقوداً حتى لحظة الفراق التاريخية.. لكنهم فرحون أيضاً لابتعاده لأن ناديهم هبط من عليائه معه وتخطاه حتى من كان يحلم مجرد الحلم في التعادل معه لا بتجاوزه وتحقيق البطولات على حسابه وهذا كان أمراً بالغ الصعوبة على جماهير الزعيم ورأت في بعد الجابر، وإن كان أبر أبناء ناديهم أملاً في عودة هلالهم إلى سمائه مجدداً.. الجابر أسطورة آسيوية قبل أن يكون أسطورة محلية أو حتى عربية.. لا ينكر هذا إلا حاقد أو مكابر فهو قد حقق كل الامتيازات وحصد كل الجوائز الشخصية على مستوى القارة.. وحتى مع منتخب بلاده وفريقه أيضاً ساهم بشكل فاعل جداً في وصول المنتخب لنهائيات كأس العالم أربع مرات ومع فريقه في البطولات الآسيوية واللذان فشلا بعد اعتزاله بتحقيق البطولات القارية!! وحتى بعد اعتزاله لم تتركه الأمجاد والألقاب والإنجازات فقد اختير سفيراً للنوايا الحسنة ورشح وهو السعودي لحمل الملف القطري الخاص باستضافة كأس العالم 2022.. ناهيك عن خدمته لناديه عقدين كاملين منذ كان لاعباً مروراً بتوليه إدارة الفريق الأول ومساعدته لبعض المدربين الذين تعاقبوا على النادي وانتهاءً بتدريبه للفريق الأول.. لكن كل هذا لا يعني أن ينجح سامي كمدرب خصوصاً وهو ما زال في بداية حياته التدريبية.. وهذا هو بيت القصيد في القضية.. فطموح سامي المندفع هو من (قتله) وقضى عليه باكراً.. لكن طريقة إبعاده كانت (مؤلمة) في المقابل، وكنا نتمنى أن يقال بطريقة أفضل من هذه كأن يسلم حقوقه ويطلب منه تقديم استقالته حفظاً لاعتباره وتقديراً لخدماته الكبيرة لناديه منذ كان لاعباً.. لا أن تعقد الاجتماعات العلنية للنقاش حول مصيره ويصدح بإباده!! والمؤلم أكثر هو هل سيتوقف سامي عند هذه المحطة ويصاب بالإحباط وخيبة الأمل.. أم أنه سيتجاوز كبوته وهو الرجل الذي عرفناه شجاعاً طموحاً لا تؤثر فيه أقوى الصدمات.. تجربة سامي على مستوى الفريق لم تكن مقنعة للهلاليين بالذات لأن وصافة بطولة محلية أو تأهل إلى أدوار متقدمة في بطولة قارية تعد أشياء هامشية عند الهلاليين.. وأقول بالذات لأن غيرهم ربما تغريه هذه الأرقام ويتمسك بمدربه ويعض عليه بالنواجذ.. لكن تجربته على المستوى الشخصي تعد ناجحة جداً وحقق فيها أرقاماً ستدون في سيرته الشخصية ويفاخر بها كثيراً حتى لو توقف بعدها عن التدريب. سامي.. قدرك أنك اخترت أكبر فريق في قارة آسيا لتدربه وأنت ما زلت في بداية حياتك التدريبية!! وها أنت ذا تدفع قيمة طموحك الذي سبقك. سامي.. لن ننساك أبداً.