قبل أيام قليلة شاءت قدرة الله سبحانه أن يرحل أحد رجالات التعليم، وأحد المبرزين في التعليم، ألا وهو الأستاذ: شبيب بن محمد البكر -رحمه الله- ليأتي عليه الموت المحتم فيغيبه عن أنظار محبيه!! ولكنها سنة الله في خلقه، ليرحل من دنيا الفناء إلى دار الخلود إن شاء الله، فيقابل المولى عز وجل.
فلقد عاش الأستاذ شبيب البكر بداية حياته في بلدة (مروان) الوادعة التابعة لمحافظة الأفلاج مكافحاً مناضلاً في سبيل طلب العلم؛ وكانت نشأته في الكتاتيب، وما لبث غير بعيد حتى التحق بالمدارس الحكومية في البلدة المجاورة لها من الجنوب (البديع)، وانتقل وهو صغير آنذاك عند أخواله آل شبيب ليتعلم - وأخواله هم من يؤمون أهل البديع حتى الآن - وليبتعد عن مسقط رأسه مروان، لاسيما وقد ماتت والدته -رحمها الله- وهو في نعومة أظفاره، ففقد حنانها، وتساوت عنده البلدان والبيوت، مادامت قاعدة البيت قد اختارها المولى سبحانه إلى جواره!!
وحينما حصل على الابتدائية الواقعة في البديع، اضطر أن يغير اتجاهه في الاتجاه المعاكس، إلى مدينة ليلى العاصمة شمال مروان لإكمال تعليمه المرحلة المتوسطة، فالبديع وإن تأقلم عليه إلا أنه لا يوجد به في ذاك الوقت متوسطة، فرجع إلى أبيه وجده -رحمهما الله- في مروان وأخذ رأيهما في إكمال تعليمه في ليلى، وأيداه على ذلك بشدة، فهم من بيت علم وفضل، وكان جده وأبوه أئمة بلدة مروان، ولكنه حسب ما رواه لي -رحمه الله- لا يملك إلا ريالاً واحداً فقط في جيبه، مما سيواجه صعوبات شتى في إكمال مسيرته التعليمية، وعندما رأى جده هذا الموقف، ما كان منه إلا أن ابتاع عنزاً كان يملكها، وأعطاه ثمنها مبلغ عشرين ريالاً تقريباً، قائلاً: خذ يا بني هذا المبلغ واستعن به بعد الله على إكمال تعليمك!!
وأكمل تعليمه المتوسط والثانوي في ليلى عاصمة محافظة الأفلاج، ومن ثم انتقل إلى الرياض لاستكمال تعليمه الجامعي، فالتحق بكلية العلوم الاجتماعية بجامعة (الرياض) آنذاك - جامعة الملك سعود حالياً - قسم الجغرافيا، وتخرج منها وعين معلماً في متوسطة في البديع ثم مديراً لها، وانتقل إلى الرياض ملتحقاً بدورة تدريبية لمدة سنتين، رجع بعدها مدرساً في ثانوية ليلى، وما لبث أن عين مشرفاً تربوياً في إدارة التعليم بمحافظة الأفلاج، فمديراً للإشراف التربوي، وأسند إليه بعد ذلك مهمة مدير الشؤون التعليمية بالإضافة إلى عمله.
وقد حصل شبيب البكر -رحمه الله- على العديد من الدورات التدريبية في مجال عمله داخلياً وخارجياً، وكان نموذجاً ونبراساً يحتذى به، وصاحب رأي ودراية ومشورة.
ويروي ابنه محمد بأن والده قد عاش حياة المكافحين في طلب العلم، ويروي من المواقف التي حصلت له أن أباه مع مجموعة صغيرة كانوا يدرسون في الأفلاج، ومرت عليهم أيام لا يأكلون فيها الطعام، ويقول إنهم كانوا يبكون من شدة الجوع، وقلة الحيلة، وتأبى أنفتهم أن يطلبوا من الناس إعطاءهم بعض الأكل ليسدوا جوعهم؛ ومن المواقف العصيبة التي مر بها الأستاذ شبيب البكر، قوله: مرت علي سنوات كنت في الرياض، وليس معي ما أستأجر به سيارة أجرة أو حافلة، ولا أملك دباباً ولا غيره، وكنت أذهب من منزل خالي عبدالله آل شبيب من منفوحة إلى الجامعة على رجلي وبصفة يومية!!
وفي آخر حياته -رحمه الله- مرض قبل عام ونصف العام، وأدخل المستشفى، وخرج منها ولازم البيت حتي توفي -رحمه الله- في الأسبوع الماضي بعد أن ذهب للمستشفى على مضض، ويذكر ابنه محمد بأن وصيته لأبنائه بأن لا يغلق مجلس بيته حياً أو ميتاً، وبالذات يوم الجمعة!!
رحمك الله يا أستاذنا ومربي جيل سابق شبيب البكر، فلقد عانيت الأمرين في سبيل طلب العلم، والتزود به في حياتك الدنيوية والأخروية، فهنيئاً لك لتقابل رباً عفواً غفوراً لا يخيب
من احتمى بجواره، فقد غيبك الموت عن أنظار محبيك. رحمك الله رحمة واسعة فرحمته وسعت كل شيء؛ ونسأل الله أن يتغمد روحك الطاهرة بعفوه ورضوانه، وأن يدخلك جنانه، لتنعم في روح وريحان، وتجاور رباً راض غير غضبان، والله المستعان على كل حال.