أثناء زيارتي لإحدى المدارس في إطار عملي التربوي، وبعيد التخطيط لزيارة أحد معلمي الصفوف الأولية مع مدير المدرسة، دخلت على طلاب الصف، ثم ألقيت التحية على الطلاب، وعلى معلمهم فرد المعلم، وردد طلابه تحية منشودة، فكانوا بها أن ردوا التحية عليّ بأحسن منها، المعلم ذكر لي أنه بصدد مراجعة لدرس سابق، لكنه عرض علي فكرة لعلي أتقبلها، في أن أقدم حصة أنموذجية، لكونه معلما جديدا، فرحبّت بالفكرة، ووقفت موقف المعلم أمام الطلاب، وأخذت أتجول بينهم في محاولة لكسر حاجز التعارف بيننا متبادلا معهم الابتسامة والطرفة ومحاولا التعرف على أسمائهم، ثم فكرّت في كيفية ونوعية (المدخل) وهو الركن الأساس لكل حصة، لكني بداية رجوت المعلم أن يأخذ مكاني ليستريح، وقد وافق بعد إلحاح طويل مني، خطّطت سريعا، لأقدم مايمكن لي تقديمه للمعلم الجديد من أساليب متنوعة وفق إستراتيجيات التعلم النشط، والذي يكون محور التعلم فيها الطالب، كان الدرس الجديد يتحدث عن «الأمانة» فتذكرت قول الله تعالى {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} قمت بكتابة الآية، وجعلتها المدخل لحواري مع الطلاب نحو الدرس، لأتعرف من خلال النقاش على (الخبرات السابقة) لدى الطلاب، وهذا هو الركن الثاني للحصة الناجحة، وبعد السير في تسجيل بيانات الدرس واستنتاج عنوانه من مشاركاتهم (استنتاجية) بدأت بقراءتي الإنموذجية كررتها، ثم أعقبها قراءات الطلاب المجيدين، ثم قراءات متنوعة، ثم بدأت في تنفيذ منشط سيدعم اكتساب الطلاب للقيمة الرئيسة التي جاء بها الدرس، فطلبت مشاركتهم في تنفيذ مقطع مسرحي قصير تلقائي (تمثيل الأدوار) لنستشف من خلاله موقف الأمانة، وعليهم إعمال طاقاتهم في الملاحظة، المشهد الأول، سيكون لطالبان يمشيان مع بعضهما، وبينما هما مشغولان بالحديث، أراد أحدهما استخراج شيء ما من جيبه، وفجأة وبدون أن يشعر وقعت المحفظة من جيبه، وكان خلفهما طالب يسير، وقد طلبت منه أن يؤدي دور الطالب الأمين، فالتقط المحفظة من الأرض حيث سقطت، ونظر فيها فإذا هي مليئة بالفلوس والأوراق، فلحق بهما، وربت على كتف أحدهما، ثم سأله أهذه المحفظة تخصكما؟ فرد نعم، فأخذها وقدم له الشكر على أمانته، وثمّن له صنيع عمله، ثم طلبت إعادة المشهد، لكن في هذه المرة سيقّلب الطالب المحفظة، وحينما يشاهد الفلوس التي ستغريه، ويسيل لها لعابه، فسيقوم بوضع المحفظة في جيبه، ثم ينسمن الموقع، وهو يوزّع نظراته هنا وهناك، ومحياه يوحي بخوف شديد من أن يكون أحد قد رآه! ثم حولّت المشهدين إلى حلقة نقاش (طريقة حوارية) مع الطلاب أشبه ما نكون، وكأننا في «برلمان» وتحول دوري إلى مدير للحوار فقط، ومعين لهم عند الحاجة لتدخلي، وكنت أسجل كل فكرة يقدمونها (العصف الذهني) على السبورة، متيحا لهم اكتشاف الفعل الصحيح من الخطأ (استكشافية) فيعقدون المقارنات، ويضيفون الخبرات الجديدة، وينظّمون الأفكار، ويضعون الافتراضات المتوقعة على سبيل المثال، ماموقف والد الطالب حين يكتشف أن ابنه سرق المحفظة؟ ماوضع صاحب المحفظة المسروقة النفسي والمادي؟ ما الأثر الباقي في نفس الطالب الأمين، وأتحت لهم فرصة أخذ ممارسة دور الناقد (التفكير الناقد) ليتعلموا بأنفسهم، ويسهموا في انتاج المعرفة، بدلا من أن تقدم لهم جاهزة، وقد ينسونها فيما بعد، كانت الحصة عبارة عن نشاط مستمر متنوع، سمحت لطلابي بالتعليق، وتبادل الابتسامة، والشعور بالانهماك والاستمتاع بالأنشطة، وتقبلت وقوعهم في أخطاء أثناء قراءة النص القرائي، وأعنتهم على اكتشافها وتصحيحها بأنفسهم، وفي الدرس جعلت الطلاب يمارسون النشاط الكتابي والقرائي، والبحث عن الإجابات بحيث يكون لهم الدور الأكبر في ممارسات أنشطة الكلام والتعبير، والحركة بنسبة 90%، وحاولت أن أتحول إلى مجرد «مدير، منسق، مسهل، مبسّط، ومعين لهم» عبر أنشطة الدرس بنسبة 10% شكرت المعلم الجديد في ختام الدرس، على أن يكون لنا جلسة تربوية، نتبادل فيها الرؤى والأفكار.