نظم نادي حائل الأدبي ندوة علمية بعنوان «حائل في عيون الرحالة» كان لي شرف أن أُدعى إلى هذه الندوة وتكرم علي منظمو الندوة أن أرأس إحدى جلساتها وهو المحور الذي يُعالج فيه أصحاب الاختصاص المشاركون في هذا المحور وهو بعنوان دوافع الرحالة في قدومهم إلى حائل بصفة خاصة والجزيرة العربية بشكل عام.
ومن وجهة نظري أنه من أهم المحاور مع عدم التقليل إطلاقاً من أهمية المحاور الأخرى لأن ما طُرح في هذا المحور هو محاولة الإجابة عن السؤال الكبير الذي طالما طرح على مدى عقود ومن قبل الكثير من الباحثين، وهو سبب دوافع هؤلاء الرحالة من وراء رحلاتهم إلى هذه المدينة الساحرة التي جعلوا منها مقصدهم الأول؟ بعض الجواب وليس كله ورد في ما قدمه الباحثون والباحثات أثناء تقديم أبحاثهم في هذه الندوة لأن الإجابة مفصلة على هذا السؤال تحتاج إلى العديد من الندوات وإلى طرقه بكل موضوعية وعلمية.
كنت في غاية السعادة أن أكون في موعد على رؤية حائل للمرة الثانية، حيث كانت زيارتي الأولى لها قبل عدة سنوات بدعوة كريمة من وجيه حائل الشيخ علي الجميعة وابنها البار.
كنت فرحا بتلك الزيارة لمدينة ومنطقة لها في قلبي مكانة خاصة، وكنت أشعر بالخجل عندما يسألني أحد كم مرة زرت حائل فأقول هذه المرة الأولى وتكرر خجلي أثناء هذه الزيارة عندما أقول هذه المرة الثانية، إنه لأمر يدعو للخجل حقاً كيف لشخص أفنى عمره في دراسة وتدريس تاريخ وطنه لم يزر واحدة من أهم مكونات وحدة هذا الوطن سوى مرتين كيف لم أزر منطقة نقشت في وجداني وفي وجدان كل وطني سعودي منذ سنواتنا الأولى في مدارسنا الابتدائية ثم في بقية مراحلنا التعليمية قصة أعظم رجل ضرب لنا المثل الأعلى في زرع قيم الأخلاق العربية الأصيلة الكرم، الإباء، الأثرة، التضحية، الفروسية، حاتم الطائي.
كنت ومنذ ما يقارب الخمسين سنة قد حطت بي أولى رحال رحلتي في هذه الحياة في المنطقة الشرقية وسكنت في مجمع عمالي تابع لأرامكو يقطنه العديد من أبناء هذا الوطن، لفت انتباهي من كنت أسكن بجوارهم واهتمامهم بهذا الوافد الغريب من أقصى نقطة في الجنوب يتلمس خطواته الأولى في هذه الحياة ودعواتهم الدائمة والمستمرة لي بمشاركتهم في طعامهم وفي ما يعدونه من قهوة وشاه بعد عودتهم في نهاية كل يوم من أعمالهم.
إنهم عرب أقحاح من شمر من حائل من ديرة حاتم لم أكن قد التقيت بشمري أو حائلي من قبل هذه الصدفة الجميلة عرفت إذن أن للتربة والهواء والماء كما يقول علماء الاجتماع تأثيراً بالغاً في تكوين الإنسان وحياته. يضاف إلى ذلك التاريخ والرموز التاريخية للقيم إنهم ينتمون إلى أرض أنجبت حاتم فظل رمزاً عالياً للقيم والأخلاق والكرم يتمثل بهذه القيم وعلى مدى التاريخ أبناء منطقة حائل ما أحوج الأمم والشعوب والبلدان دائماً إلى رموز ملهمة.
أثناء سنوات البعثة الدراسية عكفت على دراسة تاريخ الجزيرة العربية الحديث والمعاصر وكان مما حرصت الاطلاع عليه كتب الرحالة الأجانب الذين زاروا الجزيرة العربية فوجدت أن معظمهم إن لم يكن جميعهم قد جعلوا من حائل المقصد الأول والبوابة التي من خلالها يعبرون إلى بقية أجزاء الجزيرة العربية وخاصة وسطها وشرقها وغربها.
ونتج عن هذا الاهتمام قيامي بترجمة ما كتبه الرحالة ويليام بلجريف عن حائل وهو واحد من أهم الرحالة الذين أدهشتهم هذه المدينة.
زاد قيامي بهذا العمل حبي وإعجابي بهذه المنطقة وأهلها. فكانت حائل المدينة المضيافة بأهلها الكرماء وطبيعتهم المتسامحة لا يجد من يحل بساحتهم إلا كل ترحاب وإكرام لا يسألون زائرهم عن أي بلد هو منه أو دين ينتمي إليه لأن هذه شيم الكرماء، ولقد سجل معظم الرحالة أعظم انطباع عن هذه المدينة وعن أهلها وأمرائها وكبرائها وحتى عامة الناس منهم.
وهذا ما تناوله الباحثون والباحثات في الأوراق العلمية التي قدموها في هذه الندوة أو هذا المؤتمر.
قدمت من الرياض إلى حائل وقلبي يهفو إلى مدينة لها في الوجدان كل تلك الذكريات والانطباعات وكان وصولي حوالي الساعة الثانية عشرة والنصف من منتصف يوم الأربعاء الموافق 1 / 7 / 1435هـ وكان بعض من الإخوة ضيوف منتدى حاتم الطائي معي على متن تلك الرحلة، وما أن دلفنا إلى قاعة الاستقبال حتى وجدنا في استقبالنا عددا من أبناء حائل جلهم من شباب كشافة حائل في ملابسهم الكشفية الجميلة يزيد عددهم على عدد ضيوف المنتدى القادمين على تلك الرحلة. يكاد أن يكون لكل ضيف اثنان من أبناء حائل تتهلل وجوههم بشرا باستقبال ضيوفهم حقاً هذه حائل ديرة حاتم وأحفاد حاتم كم هو جميل أن تحمل المدن السمات الحقيقية لما عُرفت واشتهرت به على مدى تاريخها.
بعد أن اطمأن مستقبلونا على وصولنا إلى مكان إقامتنا أخبرونا بأن هناك برنامجا لزيارة معالم حائل الأثرية والتاريخية. حيث كانت البداية زيارة قلعة أو قشلة حائل التي أقيمت في عهد الملك عبدالعزيز -رحمه الله- وهي قشلة كبيرة متكونة من طابقين بها عشرات من الغرف تزيد على مائة وعشرين غرفة كانت مهاجع للجند الذين كانوا يسكنونها وبها قيادة المنطقة العسكرية التي أنيط بها مسؤولية حماية حدود المملكة الشمالية والشمالية الشرقية في العقود المبكرة من توحيد المملكة وحل محلها فيما بعد منطقة تبوك العسكرية ومنطقة حفر الباطن العسكرية.
لها فناء واسع يستوعب المئات من الجند أثناء تمريناتهم وتدريباتهم العسكرية، ثم صيانة هذه القلعة في السنوات الأخيرة حتى أصبحت أحد أهم معالم مدينة حائل التاريخية وللأسف أن قصر الإمارة القديم الذي كان ملاصقاً لها وكان قصراً له تاريخ قد أزيل وحل محله قصر الإمارة الحديث.
أتمنى أن توظف هذه القلعة الكبيرة للعديد من النشاطات الوطنية والاجتماعية والثقافية التي تمتاز بها مدينة حائل. حزنت أن الكثير من معالم حائل الأثرية القديمة قد اختفت مثلها مثل الكثير من معالم مدننا بما فيها معالم العاصمة الرياض.
سألت الأخ القائم على شؤون هذه القلعة وهو شاب على خلق عال ومعرفة جيدة بتفاصيل تاريخ هذه القلعة لماذا لم يحول جزء من هذ القلعة لكي يكون متحفاً عسكرياً لتاريخ حائل العسكري؟ وسألته هل لازالت سجلات ووثائق هذه القلعة موجودة مثل أسماء القادة والجنود الذين سكنوا هذه القلعة وطريقة عيشهم ومعيشتهم وأثرهم في حياة مدينة حائل من الناحية الاقتصادية والاجتماعية للأسف لم أجد لسؤالي جوابا يشفي فضول مؤرخ محترف يحترق ألماً لضياع الكثير من مصادر تاريخنا الوطني لا لأي سبب إلا سبب الإهمال واللامبالاة.
من قلعة حائل أو قشلة حائل كما يحبون أن يسموها توجه ضيوف المنتدى إلى مطل يقع على أعلى جبل يشرف على حائل من كل جهاتها كان مطلاً رائعاً يشرف على مدينة رائعة، ونحن في غمرة السعادة برؤية حائل من على ذلك العلو شاركت السماء أهل حائل في إكرام ضيوفها بزخة مطركثيفة في جو ربيعي آثر الكثير من رفاق الرحلة البقاء واقفين مستمتعين تحت المطر يحف بذلك الجبل وادي الايديرع الجميل الذي يخترق مدينة حائل، وكان حديث عهد بسيول لازلنا نرى أثرها كم أتمنى لو يحظى ذلك الوادي بما حظي به وادي حنيفة المحيط بمدينة الرياض من جهتها الغربية والجنوبية من اهتمام وتحويله إلى معلم سياحي.
في اليوم الثاني من أيام المنتدى كنا في ضيافة أهل حائل على وجبة غداء حاتمية في منطقة جميلة محاطة بأجمل ما رأيت من الجبال ذات الصخور الرائعة في جمالها وتكويناتها حيث في هذا المكان تلتقي الجبال مكونة مضيقا هو أحد أهم مداخل حائل حيث يصعب على أي غريب اجتيازه لقوة حصانته في تلك الأزمنة التي كانت المدن في حاجة إلى حصانة وحماية من أهلها.
ما أسعدني إلى جانب جمال هذه الجبال هو نظافتها المتناهية وحفاظها على طبيعتها لم تعبث بها أيدي العابثين من الطامعين في بسط ايديهم على كل ما هو جميل والعمل على تشويهه بحجة التملك ووضع اليد.
في هذا المكان الجميل جداً وفي أجواء ربيعية أخاذة وفي ضيافة أحفاد حاتم أطربتنا فرقة حائل الشعبية بفنونها وألحانها ورقصاتها ما جعلت جميع الضيوف يشاركون في تلك العرضات الحائلية الجميلة، كان يشاركنا في العرضة ويحثنا على المشاركة فيها الرجل المضياف الحائلي الجميل الشيخ علي الجميعة وهو ابن الثانية والثمانين من العمر يعرض عرضاً حائلياً على الإيقاع وأنغام فرقة حائل المتميزة وكأنه ابن العشرين سنة، إن الأعمار لا تقاس بالسنين ولكن تقاس بحب العطاء الذي يطيل الأعمار، وهذا الرجل من أكثر الناس عطاء ليس لحائل فقط ولكن لكل منطقة وجد فيها وإن كان أكثر الناس محبة وإخلاصاً وعطاء لحائل وأنا لا ألومه في ذلك فحائل تستحق كل محبة وعطاء وإخلاص.
في مساء ذلك اليوم أعلن عن تبرعه لمنتدى حاتم الطائي بمبلغ خمسمائة ألف ريال من المؤكد أن هناك من أبناء حائل من يشاركون الشيخ على العطاء السخي لمدينتهم ويأتي في مقدمتهم الدكتور ناصر الرشيد رشيد بن ليلى.
في بلدة جبة
في صبيحة اليوم الثالث للمنتدى كان لنا موعد مع بلدة جبة وأهلها الكرام هذه البلدة الواقعة في أرض منبسطة تحيط بها الجبال من بعض جهاتها، في تلك الجبال رسوم ونقوش تعود إلى عصور تاريخية قديمة تدل على أهمية هذا الموقع حيث به أنواع مختلفة من الزراعة وخاصة النخيل التي تمتاز بجودة تمورها.
تبعد جبة عن حائل بحوالي مائة وعشرين كيلو متراً يصل بينهما طريق معبد جيد في تنفيذه. يعبر خلال تلال وسهول رملية ذهبية منظرها أخاذ.
هناك في جبة التي لا يزيد عدد سكانها على حوالي أربعة آلاف التقينا بأهلها الذين أخجلونا بكرمهم الحاتمي الحقيقي حيث دعينا إلى ما يزيد على ستة أو سبعة بيوت، هؤلاء الكرماء قدموا لنا في كل بيت الأنواع المختلفة من الفاكهة منها ما يزرعها أهل جبة وأنواع مختلفة من أجود أنواع تمورجبة ومعها الدهن والزبد والأقط المنتج في جبة نفسها يقدمون كل هذا في صحاف وصحون كبيرة جداً بعضها يتكون من ثلاث طبقات لم أر لهذا الكرم ما يشابهه في أي مكان آخر تذكرت من يشبههم في ذلك أهل بيشة الذين يخجلون زوارهم بكرمهم سبحان الله ما أشبه أهل الواحات في عاداتهم.
ما يضفي على كرم أهل جبة وجوههم السمحة وتفانيهم في خدمة ضيوفهم ومجالس بيوتهم الواسعة وتحرك المضيف ومن معه من أبنائه وأقاربه مكررين الترحاب بالضيوف ويلاطفونهم بأحاديثهم الجميلة مكررين اعتذاراتهم بأنهم لم يقدموا كل ما يتطلبه واجب الضيافة كنت أقول وماذا تريدون أن تقدموا أكثر مما قدمتم؟
انتقلنا بعد أن زرنا هذه البيوت الكثيرة وعلمنا أن هناك العديد من أهل جبة الذين لم نتمكن من زيارة بيوتهم لضيق الوقت وأنهم غير راضين عن عدم تمكنهم من ضيافتنا في منازلهم.
انتقلنا إلى مركز جبة الثقافي والحضاري وهو مبنى حديث وجميل وبه صالات متعددة أكبرها صالة استقبال الضيوف وصالة الطعام فصلوها أهل جبة على مقاس محبتهم للضيف وبه صالة محاضرات مؤثثة تأثيثاً فاخراً تتسع لما يزيد على ثلاثمائة شخص.
في هذا المركز الذي تحيط به المسطحات الخضراء من كل جوانبه قدم لنا أهل جبة وجبة غداء ضخمة كنت في بداية الأمر أعتقد أن هذا قصر أفراح على غرار تلك القصور في المدن الكبيرة ولكن بدد اعتقادي اللوحة المكتوبة على المدخل الرئيسي لهذا المركز التي تحمل مركز جبة الثقافي والحضاري، سألت أحد الإخوان كيف تيسر لأهل هذه البلدة الصغيرة إقامة مثل هذا المبنى الضخم فجاءني الجواب من الأخ رئيس نادي حائل الأدبي الدكتور نايف المهيلب بأن هذا المبنى بني مشاركة بين أهالي جبة وبلديتها واشترط أهل جبة أن ضيافة كل زوار جبة أي كانت الجهة المرتبة للزوار هي مسؤولية أهل جبة. أنكم حقاً كرماء نبلاء يا أهل جبة.
لم أستغرب أن جعل المنظمون للمنتدى أن تعقد فعالياته في يومه الثالث في هذه البلدة الصغيرة ولكنها جميلة ورائعة بكرم وأريحية أهلها ولم أستغرب أن معظم إن لم يكن جميع من زار منطقة حائل من الرحالة كان أول توقف لهم في هذه البلدة الذين ذكروا كرم أهلها لهم بعد رحلة شاقة قطعوا خلالها النفوذ من الجوف إلى جبة وهي مسافة طويلة وظروف جغرافية صعبة حيث فيها يستردون الأنفاس ويجدون من أهل هذه البلدة ما يريحهم، ومما توثقه بعض المصادر أن الظروف إذا اشتدت علي أهل حائل وقادتها لأي ظرف من الظروف الصعبة في تلك الأزمان البعيدة اتجهوا إلى جبة حيث يجدون فيها الأمن ومن أهلها كرم الضيافة.
ومن معالم جبة متحف قصر النايف وهو متحف رائع يحكي تاريخ جبة ويحتوي على تراث جبة في جميع جوانبه التراثية والحضارية والاجتماعية، وهذا المتحف مبادرة نبيلة من قبل أحد أبناء جبة يحتاج إلى الدعم من قبل هيئة السياحة والآثار ليتوسع ويبقى معلماً حضارياً يحكي تاريخ هذه البلدة الرائعة وتشجيعاً وتقديراً لأصحاب المبادرات من الوطنيين المحبين لوطنهم والمساهمين بكل ما يملكون من أجله.
أهمية ملتقى حاتم الطائي وأهم ما دار فيه
حضرت العديد من المنتديات والملتقيات إلا أن ملتقى حاتم الطائي كانت له نكهة خاصة فلقد كان ملتقى علمياً مؤصلاً أعد له أعداداً ممتازاً منذ أن كان فكرة إلى المرحلة النهائية للتنفيذ شارك في إعداده أصحاب اختصاص ويأتي في مقدمتهم الزميل الدكتور عوض البادي ابن الجوف ورمز من رموز المناطق الشمالية.
عرفته منذ ما يربو على العشرين سنة، وكان يربط بيني وبينه منذ بداية معرفتنا اهتمامنا المشترك بما كتبه الرحال عن بلادنا ووضعنا خطة للعمل وبدأنا بإمكاناتنا المتواضعة عبر مراحل لا يتسع الوقت لذكرها نتج عن هذا التعاون أن قام الدكتور عوض بترجمة ما كتبه الرحالة عن الجوف نشرة نادي الجوف الادبي.
اتبعه بترجمة ما كتبه هؤلاء عن حائل في مجلدين نشرها نادي حائل وإن كنت قد ترجمت ما كتبه الرحالة ويليام بلجريف عن حائل لاهتمامي المبكر بهذا الموضوع كما أشرت إلى ذلك في مقدمة حديثي.
أما أنا فقد انصب اهتمامي على ما كتبه الرحالة عن المنطقة الجنوبية والحجاز وكذلك وسط وشرق الجزيرة العربية منها ما تم نشره ومنها ما هو في طريقه للنشر.
قام الدكتور عوض ومعه الإخوة من نادي حائل بتشكيل لجنة علمية من أصحاب الاختصاص بوضع خطة عمل الملتقى منذ أكثر من عام تم دعوة أصحاب الاختصاص في أدب الرحلات وكتابة الرحالة من داخل المملكة ومن خارجها حيث كان ضمن المدعوين من الخارج باحثون وباحثات من البلدان التي ينتمي إليها الرحالة الذين زاروا حائل من هم حوالي عشر باحثات ورؤساء مراكز دراسات عن أعمال هؤلاء الرحالة في جامعات مشهورة في تلك البلدان والأغلبية الساحقة منهم ومنهن من يجيدون اللغة العربية وحضورهم إلى المملكة يعد مكسباً لبلادنا حيث كل منهم سيعودون يحكون الذكريات الجميلة عن هذا البلد الذي يشهد تطورات حضارية وثقافية واجتماعية واقتصادية تختلف كثيراً عماكانت عليه حين قام أولئك الرحالة بزيارتها في تلك الفترات المبكرة.
كان الملتقى رائعاً وحبوثه مثمرة وضيوفه متميزون، وكان الأروع ترحيب أهل حائل واحتفاؤهم بضيوفهم على عاداتهم المعهودة. كان بعض المنظمين وباجتهادات من عند ذواتهم قد عمدوا إلى فصل الباحثات الاجنبيات القادمات من وراء البحار بطريقة لامبرر لها حتى أثناء إلقاء بحوثهن أو أثناء محاولة الحضور في مناقشاتهم ومعظم الحضور من النخب الأكاديمية والنخب المثقفة من أهل حائل ومن المدعوين من خارج حائل لم أكن أرى في ذلك الفصل ما يبرره وخاصة ما يتعلق بالمحاضرات والمشاركات من الزميلات القادمات من خارج المملكة وكن يشعرن بالامتعاض من هذا الإجراء الذي تم تجاوزه في كل المدن السعودية. الرياض، جدة، الدمام وفي كل المؤتمرات التي يشارك فيها الباحثات وصاحبات الاختصاص من النساء. وحتى تحت قبة مجلس الشورى حيث يجلس ثلاثون عضواً من النساء جنباً الى جنب مع زملائهم الأعضاء في مكان واحد لا يفصلهم فاصل ما كان يجب أن تكون حائل ولا الجوف ولا أبها ولا جازان استثناء وكأن النساء في تلك المناطق يختلفن عن النساء في المدن الكبرى ونحن بهذه التميز نجذر مفهوم أن المرأة في تلك المدن أو المناطق الطرفية يختلفن عن غيرهن وكل نساء الوطن يعشن في وطن واحد وتحت مظلة قانونية واحدة.
لا أرى مانعاً من تخصيص أماكن خاصة بالنساء لمن أردن ألا يكن في قاعة واحدة مع الرجال فهذا حق لهن حينما تكون رغبة شخصية ولكن ليس فرضاً، بحجة أن الدين يمنع من ذلك، فالدين يمنع فقط الخلوة بين رجل وامرأة بمفرديهما في مكان واحد.
في إحدى جلسات الملتقى العلمية التي رأستها كان هناك محاضرتان مهمتان لاثنتين من محاضرات الضيوف وحينما جاء دور الأولى في إلقاء محاضرتها تعطل الميكرفون فلم نعد نسمع صوتها فعند هذه الحالة طلبت منها أن تحضر إلى المنصة وتلقي محاضرتها ولاقى هذا التصرف من رئيس الجلسة تصفيقاً حاراً من كل الحضور فصعد أحد المنظمين وهو بكل أسف من أعضاء هيئة التدريس في جامعة حائل محتجاً على دعوة المحاضرة لإلقاء محاضرتها من المنصة قائلاً: إن المجتمع لا يقبل ذلك قلت: إن مجتمعنا في هذا المساء هو جمع الحضور في هذه القاعة ونسألهم رأيهم وهم من يقرر ودعوت الحضور إلى رفع اليد للموافقين على إلقاء المحاضرة محاضرتها من المنصة فرفعت الأغلبية الساحقة أيديهم بالموافقة ومع ذلك ظل ذلك العضو بمفرده محتجاً غير آبه بأي اعتبار عدا اعتقاده المبني على مفهوم خاطئ لمفهوم الدين أو إرادة المجتمع.
فماكان أمامي إلا أن اعتذرت عن الاستمرار في رئاسة الجلسة وغادرت المنصة وتولى هورئاسة الجلسة بإرادته مع أنه لم يكن صاحب اختصاص ولا مؤهلاً لإدارة جلسة متخصصة.
أوضح هذا لأن هناك من حاول تشويه حقيقة ما حدث بأسباب وأحكام مسبقة. ومثل هذه التصرفات الفردية من قبل بعض الأفراد تفسد الأعمال الرائدة والمهمة مثل ملتقى حاتم الطائي في حائل، وربما تتكرر مثل هذه التصرفات الفردية في مناطق أخرى.
وتصور المناطق الطرفية بأنها مجتمعات متخلفة تحتاج إلى خضوعها لوصاية مثل هؤلاء.
فإذا كان الأمر كذلك وهو ليس كذلك بطبيعة الحال فما قيمة نشأة الجامعات في هذه المناطق ومثلها النوادي الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون إذا لم تكن منارات للتثقيف والتوعية والخروج بالمجتمعات في تلك المناطق إلى مساحات النور وإغلاق منافذ التجهيل.
إن أبناء وبنات المناطق هم أهم روافد البناء السكاني للمدن الكبرى لا نريد لروافد بناء المدن أن تعيش في بيئات منغلقة لابد من إيجاد بيئات على قدركبير من الوعي والقبول الاجتماعي يتساوون في ذلك مع إخوانهم وأخواتهم في المدن الكبرى.