بدأ عهده برؤية مستقبلية تنموية شاملة على الصعيدين الداخلي والخارجي؛ فزار أبناءه المواطنين في أرجاء الوطن ليتلمس احتياجات الشعب والمناطق بنفسه؛ ليضع برنامجا تنمويا شاملا للنهوض والتقدم بالمواطن والوطن بمشاريع تنموية وتعليمية وصحية وأمنية عملاقة دعمها بسخاء، وفي الجانب السياسي والدولي بعث رسالة أمل وأمن واطمئنان وسلام للعالم أجمع حين عفا عن أعدائه؛ فملك قلوب الجميع، وهدم الحواجز التي تبنيها الأحداث والظروف على مر الزمن؛ مع وضع مصلحة الشعب السعودي وقضايا الأمتين الإسلامية والعربية نصب عينيه لما فيه الخير والصلاح والفلاح.
إن الناظر في خطابات الملك عبد الله منذ توليه الحكم وحتى اليوم ليستشف منها الأسس التي جعلها خادم الحرمين الشريفين منطلقًا للعمل على إنجاح مسيرة الرخاء والنماء والازدهار، تلك الأسس التي لو بُحثت أكاديميا لأخرجت لنا كنزا من تجربة حكم وإدارة فريدة تستحق العناية والاهتمام، تجربة فريدة حيث الثبات على الثوابت مصقول بما خلصت إليه الأمم والشعوب والحضارات من تقدم وتطور في مجال التنمية البشرية ومجاراة الدول المتقدمة.
ثمة أمور مهمة لو وضعها من حظي بثقة خادم الحرمين الشريفين لخدمة الدين والوطن نصب عينيه؛ لوجد نفسه أمام خطوط عريضة وضعها الملك حفظه الله أمام كل مسؤول متمثلة في تطبيقه وسيره عليها وتوجيهه وإرشاده ما بين فترة وأخرى؛ أضعها مختصرة تذكيرًا لنفسي وكل مسؤول لنصل جميعًا إلى الهدف الأسمى الذي يسعى إليه خادم الحرمين الشريفين وهو الإنجاز:
1- تقوى الله جل وعلا ومراقبته سبحانه والخشية من المسؤولية أمامه؛ أول تلك الأسس التي وضعها الملك حفظه الله لنفسه وأوصى بها الوزراء والمسؤولين؛ حيث قال حفظه الله: «»يشهد الله تعالى أنني ما ترددت يوما في توجيه النقد الصادق لنفسي إلى حد القسوة المرهقة، كل ذلك خشية من أمانة أحملها هي قدري وهي مسؤوليتي أمام الله جل جلاله.. «.
2- التواضع الذي رفع الله به قدر خادم الحرمين الشريفين؛ رأيناه صفة ملازمة له واضحًا جليًا في خطاباته ومواقفه وقراراته؛ فالعزة والتمكين من الله وحده، فهو القائل: «أرجوكم قابلوا شعبكم كبيرهم وصغيرهم كأنهم أنا».
3- قبول النقد وتحمل القسوة وعدم الانتصار للنفس؛ للوصول إلى الهدف الأسمى، حيث قال حفظه الله: «يشهد الله تعالى أنني ما ترددت يوما في توجيه النقد الصادق لنفسي إلى حد القسوة المرهقة، كل ذلك خشية من أمانة أحملها هي قدري وهي مسؤوليتي أمام الله -جل جلاله- ولكن رحمته تعالى واسعة فمنها استمد العزم على رؤية نفسي وأعماقها... «.
4- العزم والإصرار في مواجهة التحديات داخليا وخارجيا والصمود في الأزمات والمحن، حيث قال حفظ الله: «تلك النفس القادرة على توجيه النقد العنيف الهادف قادرة -بإذن الله- أن تجعل من ذلك قوة تسقط باطلا وتعلي حقا».
5- العفوية والبساطة هي عنوان القائد الواثق الذي مُلِئ قلبه بالثقة وحسن الظن بالله ثم بنفسه وأبنائه وشعبه؛ تجعل من المرء يترفع عما جرت عليه عادة المتصنعين والمتكلفين؛ لنرى القائد الوالد خادم الحرمين الشريفين «حبيب الشعب» الذي يعامل الجميع الصغير والكبير كأنه هو ويشاركهم في أفراحهم وإنجازاتهم رغم كبر سنه أطال الله عمره.
تلك هي الأسس والمبادئ والقيم التي رأيناها في خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد وسمو ولي ولي العهد تحثنا على الاستشعار بالمسؤولية وعظم الأمانة خلاصتها أن العبرة بالأمانة والأفعال لا بالأقوال، وأن إتقان العمل مقدم على جزالة الكلام وتنميق الحروف.
فمتى ما استشعر المسؤول وحامل الأمانة هذه الأسس وعمل بها كان مستحقا أن يحمل ويمثل وسام «رؤية ملك»، وكان همه الأول الرقي بالوطن إلى أسمى درجات العز والشموخ بفضل الله جل وعلا.
ولسنا في مقام حصر الإنجازات في عهد الملك عبدالله؛ ففي كل زاوية من زوايا الوطن وفي بقع العالم الإسلامي والعربي بصمات للعهد المبارك الزاهر، ولكن حق تلك السنين التسعة من عهد خادم الحرمين الشريفين أن تذكر لتشكر؛ فهي «عنوان المجد» لوطن الشموخ والعز
إن تلك الأسس النابعة من «رؤية ملك» جعلتنا نقف بفخر واعتزاز أمام نهضة تعليمية أثمرت عن إنشاء عدد كبير من الجامعات والكليات في مناطق المملكة بمستويات عالمية إضافة إلى برامج الابتعاث لصقل مواهب أبناء الوطن في عالم لا يعترف إلا بالتخصصات الدقيقة بأنواعها
ونهضة اقتصادية عززت مكانة المملكة عالميا وحفظت الوطن بفضل الله من الأزمات الاقتصادية والانهيارات التي عصفت بدول العالم العظمى وضمنت للوطن وأبنائه سبل النماء والرخاء
وفي الجانب السياسي أثبت القيادة الرشيدة علو كعب المملكة خليجيا وإقليميا ودوليا جعلت منها قبلة قادة العالم الذين قصدوا مقام خادم الحرمين الشريفين قبل وبعد أي تغيير في موازين السياسة العالمية؛ اعترافا منهم بمبادئ وقيم وأخلاقيات السياسة السعودية في عالم متناقض مليء بالمصالح الخاصة
وما كانت تلك الإنجازات وغيرها لتتم إلا بتوفيق من رب العزة والجلال ثم بعزيمة وإصرار و «رؤية ملك» همه السمو بالوطن والمواطن إلى أعلى درجات النماء والرخاء والتقدم والتطور
فلتكن هذه الرؤية «رؤية ملك» شعارنا الذي ننطلق منه مستمدين العون والتوفيق من العلي القدير .