حسب تقرير مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات في مسح القوى العاملة لعام 1433هـ 2012م، يُوجد في المملكة 3.7 مليون شخص غالبيتهم من النساء مصنّفون «السكان خارج قوة العمل والاكتفاء بالأنشطة المنزلية»، هؤلاء لم يصنّفوا «بطالة» وتم الاكتفاء بـ«أنشطة منزلية» غالبيتهن «ربّات منزل» بعد فشل إيجاد وظائف مناسبة لغالبيتهن.
مليونان من هؤلاء أعمارهن أصغر من 40 سنة .. هؤلاء ليست سيدات أعمال ولا متقاعدات وليس لهن تصنيف في التقارير الرسمية غير «أنشطة منزلة»، ولا يخفى على الجميع أن هؤلاء عبء، إما على الآباء والأزواج في ظل منظومة أعمال غالبية معدلات رواتبها حوالي 4000 ريال، مع ارتفاع تكاليف المعيشة والسكن، وقروض استهلاكية واجتماعية عالية.
يتساءل العاقل بتعجب؟!!! لماذا يجب إغراء المواطن لكي يقبل بوظائف القطاع الخاص؟.. رفع رواتب، مكافآت، تخفيض ساعات العمل، شروط سعودة صارمة، رسوم على العمالة الأجنبية، ولم تكتف الحكومة بهذا فقط، فقد أرضت الجهة الأخرى (أي الشركات)، فالحكومة تتكفّل بنصف الرواتب لفترة سنة وسنتين، ومع كل هذه الإغراءات، المحاولات باءت بالفشل.. لم تكتف الحكومة ممثلة بوزارة العمل وصندوق الموارد البشرية بذلك، بل أصبحت تدفع أموالاً تخطت (المليار ونصف المليار) كهدايا ومكافآت للشركات والموظفين السعوديين، وفي المقابل (تريد فقط) أن يقبل المواطن بالوظيفة، و(تأمل فقط) من الشركات أن تبذل الجهد في إغراء المواطن للبقاء في العمل لسنة أو اثنتين لكي تسقط اسمه من (سوق العمل) ولا يدخل في سجل (البطالة).
في عام 2013 وبعد جميع ما بذلته وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية، عقدتا 477 لقاءً وظيفياً في الرياض وجدة بعد دعوة 4120 شركة للمشاركة في (إغراء) المسجلين في برنامج حافز والبالغ عددهم 343 ألف شخص، ولم يحضر إلا 16 ألف شخص، ولم يتم توظيف أكثر من 8 آلاف شخص.
وهذا يترك عدة تساؤلات، منها:
- لماذا لا يرغب المواطن والمواطنة العمل في غالبية الوظائف في القطاع الخاص؟
- هل ما يُصرف لإغراء المواطن بالوظائف مبرّر اقتصاديًا؟
لم يعد المتخصص والمهتم بالشأن التنموي والاجتماعي يهتم بأرقام البطالة لأن وزارة العمل وصندوق الموارد البشرية لم يعودا يعترفان بأن (غير العاملين) مصدر خطر اقتصادي وأمني واجتماعي على الوطن، فتجد تعريف ومطابقة الشروط للبطالة يطبق بحيث تصبح الأرقام المُحسّنة هي الهدف، ولا تسمع أي خطط لتوظيف مليوني مواطن ومواطنة سيدخلون سوق العمل خلال الخمس سنوات القادمة.
أين تكمن المشكلة؟
لا شك أن البطالة عبء اقتصادي على أي بلد، ولكن هذا ليس مهماً في كثير من المنظومات المتخلفة، والأهم، أن هؤلاء مصدر خطر أمني واجتماعي، ومما يقلق أكثر أن هناك تكدساً لهذه الظاهرة، حيث إن السكان بثلاث شرائح (الأولى) مشتغلون وعددهم 4.2 مليون شخص، (الثانية) متعطلون وعددهم 588 ألفاً، و(الثالثة) خارج قوة العمل 7.9 مليون مواطن ومواطنة.
وفي تعمق أكثر في الشريحة الثالثة، نجد أن 3.7 مليون منهم مصنّفون (أنشطة منزلية)، وهناك أيضاً تصنيفات أخرى، منها 307 آلاف شخص (مصنّفون «أخرى») أي أنهم ليسوا متقاعدين ولا طلبة ولا عاملين ولا أرباب منازل ولا مكتفين ولا احتياجات خاصة.. وفي هذان الصنفان فقط نجد 4 ملايين شخص، إما عبء على الدولة ومصدر خطر وهم لا يحصلون على أي نوع من الدعم أو المكافآت، أو أنهم عبء على آبائهم وأزواجهم في ظل ظروف معيشية صعبة يميزها ضعف رواتب العاملين من آباء وأزواج، ارتفاع في تكاليف المعيشة، تعثُّر مشاريع الإسكان، ويميزها أيضاً مجتمع وصلت قروضه إلى 340 مليار ريال من المصارف، و360 مليار ريال من الظل المصرفي، وقروض أخرى مثل القروض الحكومية الزراعية والعقارية وبنك التسليف والقروض العائلية وقروض الزواج والترميم.
لا يخفى على المتخصص بالاقتصاد التنموي واقتصاد تطوير الأعمال أن وضعنا الحالي متوقع بمجرد معرفة الاستعدادات والحلول التي طرحت، نحن نعيش «وهم» الحلول، ولكن في قرارة واقعنا، نعلم جيداً أننا نهرب من واقع اليوم المرير بتأجيله للغد.
على الدولة الإقرار بأن الحلول المطروحة لم ترق إلى التطلعات، والاعتراف بالمشكلة بالكامل، والبحث عن أصحاب الكفاءات والقادرين على (صناعة الحلول)، فلا يزال هناك (بصيص) من الأمل.