970 مليار دولار ضخها السياح في موازنات الدول السياحيَّة حول العالم جعلت من الصناعة السياحة حصانًا أسود يجتاج مضامير الاقتصاد حول العالم، مخلفًا غبار أقدامه القوية لصناعات عالميَّة ومصادر دخل تفوق عليها، ولا سيما بعدما كشف مارسيو لوسيا دي باولا المدير التنفيذي المكلف بالمنافسة في منظمة السياحة العالميَّة، أن عدد السياح في العالم سيقفز في العام 2030 إلى نحو 1.8 مليار سائح، مقابل 1.4 مليار سائح في العام 2020 وما يناهز مليار سائح حاليًّا.
وثمة معطيات إيجابيَّة حول وضع الدور المتنامي الذي تضطلع به السياحة في اقتصاديات كبرى الدول، وأهمية هذا القطاع في دعم صادرات السلع والخدمات، إِذْ تُعدُّ صناعة السياحة العمود الفقري لهذا القطاع في مختلف دول العالم، في ظلِّ نشوء نحو 12 وظيفة محدثة في الاقتصاد منها وظيفة في القطاع السياحي.
وتلعب السياحة دورًا مهمًا في الاقتصاد العالمي، نظرًا لما تحققه المبادلات السياحيَّة من نتائج معتبرة مقارنة بالمبادلات الزراعيَّة والغذائيَّة، وكذلك تفوق أحيانًا ما تحققه المبادلات الزراعيَّة والغذائيَّة، كما تفوق بعض الأحيان بالنسبة لبعض البلدان ما تحققه المبادلات النفطية.
وتعتمد دول العالم مهما كان مستواها التنموي في بناء اقتصادياتها أساسًا على الزراعة والصناعة والطاقة، وإلى جانب هذين القطاعين المهمين تأتي السياحة في المرتبة الثالثة كونها تصنَّف ضمن قطاع الخدمات، وهي لا تقل أهمية عن سابقتها نظرًا للدور الكبير الذي تلعبه في التنمية الاقتصاديَّة، حيث ظلَّت فكرة السياحة مرتبطة بفكرة التجارة الدوليَّة وبعمليات تسديد وموازنة أو تغطية العجز فيه.
أيْضًا تُعدُّ السياحة وسيلة فعّالة لجلب العملة الصعبة وامتصاص البطالة، لأنّها نشاط يعتمد بالدرجة الأولى على اليد العاملة؛ ما جعل الكثير من الدول تولي اهتمامًا خاصًا بهذا الميدان، حيث عمدت إلى تخصيص رؤوس أموال هائلة للاستثمار فيه، فأصبحت السياحة في الآونة الأخيرة مجال تنافس شديد بين الدول.
دور اقتصادي
وأصدر المجلس العالمي للسياحة والسفر دراسة بالغة الأَهمِّيّة عن «التأثير الاقتصادي للسياحة والسفر عام 2011» أكَّدت أن صناعة السياحة والسفر أصبحت دعامة أساسيَّة للاقتصاد في شتّى أنحاء العالم.
وأكَّدت الدراسة التي أعدها المجلس بالاشتراك مع وحدة أكسفورد الشهيرة للاقتصاد، أن هذه الصناعة واعدة وتستطيع أن تسهم بنسبة مهمة في زيادة الناتج القومي وفي توفير الوظائف ليس في قطاع السياحة والسفر وحده بل في قطاعات أخرى ذات علاقة به.
وقدمت الدراسة بالأرقام والإحصاءات صورة حقيقية عن النشاط السياحي في 181 دولة في العالم وعلاقته بالأنشطة الاقتصاديَّة الأخرى.
ومن خلال الدراسة، يؤكّد المجلس العالمي للسياحة والسفر، أن الانتعاش الذي حدث لصناعة السياحة والسفر في العالم جعل مساهمة هذه الصناعة المباشرة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي يزيد بنسبة 3.3 في المئة أيّ 1770 مليار دولار.
كما توقعت الدراسة أن يقوى هذا الانتعاش في العام التالي للدراسة بنسبة 4.5 في المئة ليصل إلى 1850 مليار دولار ليُؤدِّي إلى توفير 3 ملايين فرصة عمل إضافية مباشرة في صناعة السياحة والسفر، وإذا أخذنا في الاعتبار أن صناعة السياحة والسفير تدعم صناعات أخرى مساعدة، فإنَّ الدراسة، تشير إلى أن مساهمة هذه الصناعة الشاملة في الاقتصاد العالمي تصل إلى 5987 مليار دولار أيّ 9.1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي.
حراك عام
وما أن يتوافد السياح على بلدة أو منطقة إلا وتنشط حركة الإنشاءات، وتزدهر نشاطات المنشآت الصَّغيرة والمتوسطة، سواء كانت في مجال النقل أو الفندقة أو المتاجر والمحال الصَّغيرة أو ورش المشغولات اليدوية أو محال الصرافة، أو مكاتب التأمين، أو شركات الشحن، أو محال الملبوسات التقليدية أو مكاتب الخدمات المتنوعة وغيرها الكثير. كما أن توافد السياح على مدينة يشعل فتيل المنافسة الإيجابيَّة بين مقدمي الخدمات لتوفير الأفضل والأجود لكسب السائح.
كما تستغل الدول توافد السائحين عليها لنشر ثقافتها ولنشر مكتسباتها التاريخية وللتعريف بنفسها أمام شعوب العالم. كما أن الدول السياحيَّة الأكبر في العالم تتميز بشعوبها المتحضرة والراقية في التعامل والخلق، وتتميز الدول المتقدِّمة سياحيًّا بمستوى عالٍ من الأمن والاستقرار، وبمستوى ممتاز من البنية التحتية.
خطة سعودية
وألقى منتدى جدة الاقتصادي لذي انعقد هذا العام تحت عنوان (الإنماء من خلال الشباب)، الضوء على قطاع السياحة بوصفه إحدى الوجهات النامية التي بوسعها الإسهام بقوة في القضاء على بطالة تبلغ نسبتها في المملكة رسميًّا 12 في المئة لكنها تتجاوز 30 في المئة في صفوف الإناث.
وبلغ عدد الفرص الوظيفية في قطاع السياحة عام 2013م 751 ألف وظيفة، يمثِّل السعوديون ما نسبته 27.1 في المئة، وتمثل السياحة القطاع الاقتصادي الثاني في المملكة، بعد قطاع المصارف والبنوك من حيث نسبة السعودة.
ويُتوقَّع أن يوفر قطاع السياحة مليونًا و700 ألف وظيفة للشباب والفتيات حتَّى عام 2020م، وسط آمال عريضة تحدو القائمين على هذا القطاع الذي يسهم في دعم الاقتصاد الوطني بـ2.6 في المئة، و5.2 من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي.
ويفيد مركز الدراسات السياحيَّة (ماس)، بأن القيمة المضافة لقطاع السياحة بلغت 75 مليار ريال بنهاية عام 2013م، وبلغت الرحلات السياحيَّة الداخليَّة 37.1 مليون رحلة، بإنفاق 76 مليار ريال، وحققت المنشآت السياحيَّة 209 آلاف غرفة فندقية، و113 ألف وحدة مفروشة.
وتحتل السعوديَّة المرتبة 23 بين دول العالم من حيث البنية التحتية المتطورة، وتسهم استثمارات البنية التحتية في تحويل المزايا النسبية للدول إلى تنافسية، ويحتل اقتصاد المملكة المركز الـ19 في الاقتصاديات الكبرى في العالم، وهو الأكبر على مستوى المنطقة، حيث توجد استثمارات تحت التنفيذ في البنية التحتية تصل إلى 1.8 تريليون ريال تتجه نحو الإنشاءات في الطرق والنقل والموانئ وغيرها خلال خمس سنوات، وهناك 100 مليار ريال لتحديث البنية التحتية لخمس سنوات، تتوزع على مشروعات المطارات 75.4 مليار ريال، ومشروعات الطرق 37.5 مليار ريال، ومشروعات سكك الحديد 343.4 تريليون ريال، ومشروعات الموانئ 100.7 مليار ريال.