في مؤتمر مهم عُقِد مؤخراً في البحرين لمناقشة بعض القضايا الإستراتيجية التي تهم دول مجلس التعاون الخليجي، قال الأمير تركي الفيصل: «الأمن الوطني ليس عسكرياً فحسب لدرء المخاطر الخارجية، بل هو أمن سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وإعلامي، وإن الاعتماد على تثبيت القوة في الأمن الوطني ليس ضمانة كافية لتحقيقه، وعليه فإن الشرط الأول للحفاظ على أمن دول الخليج هو زيادة تحصين هذه الدول من الداخل بسياسات تحافظ على علاقات سوية بين القيادات والشعوب».
هذا الكلام الذي قاله الأمير تركي الفيصل مهم للغاية، وخاصة في هذه المرحلة الزمنية التي يجري فيها الحديث عن تغيرات في الإسترتيجية الأمريكية نحو دول مجلس التعاون الخليجي في ظل تزايد الاعتماد الذاتي للولايات المتحدة على مصادرها المحلية في الطاقة والتحرر من الاعتماد على نفط المنطقة.
وهو أيضاً مهم على ضوء الخبرة الطويلة للأمير تركي الفيصل في المواقع السياسية التي تبوأها كسفير للمملكة في الولايات المتحدة الأمريكية وقبل ذلك سفيراً للمملكة في بريطانيا وقبلها رئيساً للاستخبارات العامة في المملكة، ودوره في الشأن الأفغاني منذ أيام التدخل السوفيتي ثم انهيار الإمبراطورية السوفيتية، وما جرى بعد ذلك من تداعيات تركت آثارها على المملكة والأقليم والعالم بأسره.
ومعروف عن الأمير تركي الفيصل مشاركاته في المؤتمرات والندوات المحلية والعربية والعالمية التي تبحث القضايا الإستراتيجية.
ويتفق معارضو آرائه ومريدوه، على حَدٍّ سواء، على سعة ثقافته العامة واطلاعه ومتابعاته.
لهذه الأسباب جميعاً، ونظراً لما حدث ويحدث في المنطقة العربية منذ ثورات «الربيع العربي»، أجد أن ما قاله الأمير تركي الفيصل، عموماً، مهمٌ للغاية. ففي هذا الزمن الذي نعيشه، تغيَّر مفهوم الأمن الوطني ولم تعد القوة العسكرية والتعامل الأمني وحدهما يجلبان الأمن والاستقرار.
وبدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة وغيرها من القوى الكبرى لابد أن تدرك حكومات المنطقة أن قوتها الحقيقية تنبع من الداخل، وذلك كما قال الأمير تركي، بـ«سياسات تحافظ على علاقات سوية بين القيادات والشعوب».
كما أن ما ذكره الأمير عن مفهوم الأمن يستوجب التأمل حينما أكد على أهمية الأمن السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والإعلامي، وليس فقط الأمن العسكري باعتبار أن جميع تلك العناصر هي المكونات الحقيقية لـ«الأمن الوطني».
فمما لا شك فيه أن الضوائق الاقتصادية التي تواجهها شرائح من المجتمع والهزات الاجتماعية وعدم اليقين السياسي والانفتاح الإعلامي هي عناصر مهمة في معادلة الاستقرار والازدهار التي يجب أن تأخذها حكومات المنطقة بمنتهى الجدية.
مثل هذه الرؤى يجب ألا تظل حبيسة القاعات التي يلتقي فيها المثقفون والمحللون والخبراء ويتبادلون الرأي والنقاش حولها ثم ينتهي الأمر عند ذلك، فالمنطقة تمر بتغيرات جذرية عميقة في زمن الإعلام الجديد حيث صار بوسع كل مواطن في دول الخليج أن يتابع كل ما يجري من أحداث في وطنه وفي العالم بعيداً عن عين ويد الرقيب.