يقول الحق تبارك وتعالى في محكم كتابة الكريم: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّه سورة آل عمران آية (110).
وقال تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ سورة المائدة آية (87-79).
وعن أبي رقيَّة تميم بن أوس الداري رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: «الدِّين النّصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم.
وعن أبي سعيد الخدريِّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلم يقول: «من رأى منكم منكراً فليغيرهٌ بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» رواه مسلم.
فلا يخفى على كل منَّا ما عمت به البلوى في كثير من البلدان من آثار سلبية من جراء المعاكسات التي جعلت التبرج والسّفور يطفو على السطح بين تلك النِّساء، وعدم العناية والاهتمام بالحجاب الشرعي، وإبداء الكثير من زينتهن ومحاسنهن ومفاتنهن لتلك الذئاب البشرية المسعورة التي حرَّم الله عليهن إبداءها لها.
لا شك أن التّساهل في غض البصر يؤدي إلى الانزلاق الخلقي كما هو مشاهَد. فقد أوقع الكثير والكثير من النَّاس في مهالك خطيرة، وسقوط في مواقع الانحطاط؛ ما جعل حياة العديد منهم في كثير من البلدان شبيهة بحياة الحيوان التي ليس عليها قلم التكليف، بل هم أضل سبيلاً، وأسوأ حالاً.
وقد قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... سورة النور (30-31).
وقد صح عن نبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه قوله «العينان تزنيان وزناهما النظر والأذنان تزنيان وزناهما السّماع». إلى أن قال: «والفرج يصدق ذلك أو يكذبه».
ولا شك أن ذلك من المنكرات العظيمة، والمعاصي الظاهرة التي أصبحت تظهر على السطح بشكل مستمر، لما يترتب على ذلك التبرج والسفور من أضرار مؤلمة ومحزنة على الأسرة والمجتمع.
فالمرء ذلك الإنسان الضعيف، لكنه تحفه الشّهوات من كل جانب، وتكتنفه متطلبات الغرائز، وتجتاحه الأهواء، وهو أشبه بالمرء المريض الذي لا يجد سبيلاً للخلاص مَّما حل به من تلك الأهواء إلا بطبيب ماهر ناصح، فإن ائتمر بأمره ابتعد عما تميل إليه نفسه، وامتنع عن الشّهوات وسلم من الهلاك، وإلا فقد ألقى بنفسه في هذا المستنقع المظلم؛ فتعتريه الأسقام والآفات التي لا بُرء منها، ويموت قلبه، ولا يرجى بعده الحياة، وتنضب ينابيع السّعادة، وتغشاه أمواج غامرة متلاطمة من الشقاء والذلة والتعاسة من جراء ما قام به من أفعال محرمة.
ومن الأمور التي كنا نلاحظ انتشارها في الأفق - بكل أسف شديد - مصطلح العلاقات العاطفية لدى بعض النِّساء، فالمرء يحتار كثيراً عندما يشاهد بأم عينيه تصرفات بعض النِّساء الخاطئة - هداهن الله - مما يشير إلى وضعهن الفوضوي داخل المراكز التجارية وغيرها من الأماكن العامَّة. وهذا أمر طبيعي؛ فإذا غاب الرقيب، أو تساهل عن واجبه، أصبحت تلك النِّساء أمورهنَّ بأيديهن. وإن كان ديننا الإسلامي الحنيف يرفض تلك التصرفات بشتَّى أشكالها وأنواعها فلا يخلو مجتمع في هذا الكون من هذه الحالات المؤلمة والمحزنة، فإذا كان الرقيب محافظاً ومتمسكاً بآداب الشّريعة الإسلاميَّة فإن مظاهر الانضباط والتقيد تكون واضحة على تلك الفتيات من أعمالهن وتصرفاتهنَّ، والتزامهنَّ بالحجاب الشرعي يكون أحياناً ذا هيبة ووقار وخشوع، ويزاولن أعمالهنَّ التسوقية دون مزاحمة الرِّجال أو الاختلاط بهم، وذلك بحكم وجود الرقيب معهن.
ولكن حالهنَّ سرعان ما يتغير إذا خلون إلى أنفسهنَّ، أو كان الرقيب غافلاً أو متساهلاً أو غير مُبالٍ.. فهذه الأمور تحدث أثناء التسوق، أو في الميادين العامَّة، مع بعض الذئاب البشرية المسعورة، سواء مع بعض البائعين أو المتسوقين، وذلك عن طريق التحرش بهن، ومضايقتهن، وابتزاز مشاعرهن، وإثارة الغرائز الجنسية بالألفاظ أو بالعبارات أو الصور لتلك الفتيات دون خوف من الله ولا حياء من الناس، بصرف النظر عن الأسباب والمسببات التي جعلت الجنسين معاً يتصرفن هذا التصرف الخاطئ.
نحن هنا لن ندخل بعمق في دهاليز هذه الطّرق السيِّئة وهذه الأساليب الهابطة والمذمومة، ولن نبحث عن الجوانب كافة التي تقودنا إلى أمور لا نريد ذكرها.
لكننا نتساءل كما يتساءل معنا كل إنسان غيور على عرضه وشرفه وعلى من تحت يده من الزوجات والأبناء والبنات والإخوة والأخوات..
لما وقعت بنو إسرائيل في شتَّى المعاصي نهاهم علماؤهم فلم ينتهوا، فجالسوهم في مجالسهم، وواكلوهم، وشاربوهم، فضرب الله قلوب بعضهم ببعض، ولعنهم على لسان داوود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون.
وعن أبي بكر الصِّديق رضي الله عنه قال: «يا أيها النَّاس إنكم لتقرؤون هذه الآية الكريمة في كتاب الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ (سُورة النِّساء آية 85)، وقال نبي الرحمة مُحمد صلوات الله وسلامه عليه (إن النَّاس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)». رواه أبو داود والترمذي والنسائي بأسانيد صحيحة.
فالسكوت على المنكرات بشتَّى أنواعها سبب في البلاء العام.
فوقوع الأُمَّة في مستنقع هذه المنكرات البشعة يرتكز على أمرين مهمين، هما: 1) الربا. 2) الزنا.
والزنا يورث الفقر كما قال الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه الكريم: ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً سُورة الإسراء آية (32).
وقد ظهرت على السطح مصطلحات خادعة، تتمثل في النقاط الآتية:
1) ممارسة الزنا - يقال لها علاقات عاطفية.
2) ممارسة الربا - يقال لها فوائد مصرفية.
3) ممارسة شرب الخمور بأنواعها - يقال لها مشروبات روحية.
4) ممارسة الكذب والخداع والمراوغة - يقال لها دبلوماسيَّة.
5) ممارسة الرشوة - يقال لها هديَّة.
فإذا ظهر الزنا والربا في أي مجتمع (ما) فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله.
وهناك أمور أخرى تساعد على هلاك الأمَّة. ولا أقصد بهلاك الأمَّة تلك الصُّورة المعهودة عند كل إنسان منَّا، ولكن أعني بالهلاك فقدان (الكرامة - والعزة)، فتصبح الأمة في تلك الحالة كالأشجار، تموت وهي واقفة. وما أظن شيئاً يهلك الأمم كموت الضمير، ذلك الرقيب اليقظ على تصرفاتنا، فإذا أصيبت الأمة بهذا الداء فقد ماتت. وإنني لا أعلم شيئاً يميت ضمير الأمة عدا أمرين مهمَّيْن، هما:
1) كثرة الترف.
2) وشدة الفقر.
نحن نعلم جيداً أن الملذات كافة والانغماس فيها بشكل دائم سلسلة لا تنتهي، وتجعل المرء يغفل كثيراً عن إخوانه المحتاجين، فإذا لاح في الأفق لذة حديثة فإن هؤلاء المترفين يهرولون إليها. وهناك شواهد تاريخية تدلنا على أن القيم تصمد وتقاوم في البدء.. لكنها لا تلبث أن تنهار أمام وطأة الجوع والفقر.
ومن أجل هذا فإن نبي الرحمة مُحمد - صلوات الله وسلامه عليه - لم يكتفِ بسقي النَّاس العقيدة النظرية فحسب؛ لأن العقيدة النظرية لا تشبع جائعاً، ولا تكفي محروماً، إنما شرع لهم معها العقيدة العمليّة (افتراض الزكاة) التي يشبع بها الجائع، ويكتفي بها المحروم؛ فتنتصر المبادئ في صراعها مع الحرمان.. فهل نلتفت إلى الهدى الأهلي، ونحافظ على هذا الركن العظيم.
إن الإسلام يريد من وراء هذا الكلام كله المحافظة على الأسرة المسلمة؛ لأن سلامتها تقي سلامة المجتمع بكامله، كما أن فسادها فساد المجتمع كله كما تقدم.
فقد حرص ديننا الإسلامي على هذا المعنى كل الحرص والاهتمام، وأنه لا يريد أن يغفل هذه المحافظة حتى في حال أداء بعض العبادات التي تؤدَّى في حال اجتماع الرِّجال والنِّساء في مكان واحد، كالجمعة والعيدين مثلاً، فقد نظّم الإسلام كيف يتم هذا الاجتماع لأداء تلك العبادات..
والله الموفق والمعين.