الجزيرة - حاوره - عبدالله بن فهد أباالجيش:
في ظل التوجه الكبير الذي انتهجته الدولة لافتتاح المزيد من الملحقيات الثقافية بمختلف دول العالم للعناية بالمبتعثين، وإثراء المخزون الثقافي للمملكة العربية السعودية للعالم، صدر مؤخرا قرار سامٍ يقضي بافتتاح ملحقية ثقافية بمملكة إسبانيا وان يكون مقرها العاصمة مدريد.
(الجزيرة) التقت الدكتور سعيد بن مسفر المالكي الملحق الثقافي السعودي الأول المعين بمدريد، وخاضت معه أفقاً واسعاً من الحوار حول ما ينتظر هذه الملحقية الوليدة من مهام أهدافها الساعية لتحقيقها وغيرها من المحاور فإلى نص اللقاء:
* بداية هل لكم أن تعرفوا القراء بسيرتكم المهنية قبل القرار الصادر مؤخرا بتعيينكم ملحقا ثقافيا في إسبانيا كأول ملحق سعودي هناك؟
- أنا من خريجي البكالوريوس في قسم الأدب تخصص لغة عربية من جامعة الملك عبد العزيز وحاصل على درجة الماجستير من جامعة أم القرى، ومن ثم بدأت رحلة البحث لدراسة الدكتوراه وكان ذلك متزامنا مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثناء بحثي للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية أو بريطانيا، لذلك شاء الله سبحانه وتعالى أن اتجه للدراسة بمملكة إسبانيا، ولم أكن نادما على هذا الاختيار خاصة أن الكثير من أساتذتي قد نصحوني بها كالدكتور عبد الله معطاني وجميل مغربي، وبالفعل توجهت لإسبانيا، وهناك واجهت صدمتي الأولى حيث لم يعترفوا بدرجة الماجستير التي لدي فاضطررت لدراسة لغة إسبانية لمدة سنة كاملة، والتحضير لدراسة الماجستير مرة أخرى وبعد ذلك الشروع في دراسة الدكتوراه وقد تطلبت هذه المهمة وقتا طويلا وتخرج أقراني في الدول الأخرى قبلي وكانت بين عامي 2002وحتى 2007، وكانت تجربة مميزة ولم اترك اللغة مطلقا إذ اكتسبت - ولله الحمد - حصيلة جيدة في اللغة، وبعد عودتي للجامعة عينت رئيسا لقسم الأدب وبعد ذلك شرفني الأمير خالد الفيصل أن أكون مشرفا على كرسي الأمير خالد الفيصل لتأصيل منهج الاعتدال السعودي، وكان لي شرف اللقاء والسلام على المغفور له - بإذن الله - صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز عندما أتى الجامعة لإلقاء محاضرة عن الاعتدال السعودي ضمن أعمال كرسي البحث، كما أن سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز ألقى محاضرة ضمن أعمال كرسي الأمير خالد الفيصل، وكانت تجربة ثرية خاصة عندما تقابل هؤلاء الرموز في تاريخك السعودي وتستفيد منهم كذلك من خبرتهم الطويلة، فكان الإشراف على هذا الكرسي نقطة تحول في حياتي العملية، فعرفنا هذا الكرسي بأمرين الأول منهج الاعتدال السعودي التي تسير عليه هذه الدولة - أيدها الله - في جميع المجالات سواء كان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعياً أو ثقافياً، حتى إن نشاطات الكرسي امتدت لخارج المملكة وإسبانيا كانت إحدى الدول التي أقيمت فيها أنشطة الكرسي، إذ أقيمت فيها ندوة بحضور سمو سفير خادم الحرمين الشريفين في مدريد الأمير منصور بن خالد، وكذلك عينت عميدا لكلية اللغة العربية ونائبا لرئيس النادي الأدبي في جدة.
* المعروف سابقا أن إسبانيا تتبع ملحقية فرنسا للإشراف عليها، فما هي التغيرات التي طرأت بنظركم ليتم افتتاح ملحقية جديدة فيها؟
- القرار أتى من المقام السامي وذلك باقتراح من معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد بن محمد العنقري، وذلك استكمالاً لتوجه الدولة في التعريف ونشر الثقافة السعودية والاهتمام بأبنائنا المبتعثين في جميع الدول، ولا سيما إسبانيا فهي دولة مهمة ومحورية تربطها بالمملكة علاقات عميقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا، ونحن كملحقية علينا دور كبير في تعميق العلاقات الثقافية التي تربطنا بها بعلاقات مميزة ومتبادلة.
* ما أبرز المعوقات التي ترى أنكم ستواجهونها في سبيل أن تؤدي الملحقية واجباتها على أكمل وجه؟
- حقيقة إنني لا أود أن أبالغ لكن منذ أن رشحت وحتى بدأت عملي كملحق ثقافي لم أر أي معوق، لكنني وجدت كل التحفيز وكل الدعم وأنا هنا لا أجامل، لكنني بحق وجدت كل الدعم والتحفيز من معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد العنقري ومعالي نائبه الدكتور أحمد السيف والدكتور عبد الله الطاير المشرف العام على الملحقيات الثقافية، وكذلك من سمو السفير الأمير منصور بن خالد الذي شجعني كثيرا للعمل في إسبانيا فهو رجل منفتح وصاحب تطلعات ورؤية، وهو رجل عملي أرجو أن يكون مثله كثيرين في باقي سفاراتنا بالخارج، فاكرر انه لا يوجد معوقات فالدولة وفرت جميع الطاقات والإمكانات لتسهيل مهام الملحقية الثقافية.
* إذاً فلنتحدث عن الأهداف التي تودون تحقيقها؟
- وزارة التعليم العالي لديها خطة واضحة لتحقيق أهداف الملحقيات الثقافية بشكل عام التي تركز على خدمة المبتعثين والمبتعثات في دولة الابتعاث، وتعميق العلاقات والروابط الثقافية بين المملكة وإسبانيا. وكما هو معلوم أن كل ملحقية تدور واجباتها حول محورين فالأول نحو الطلبة المبتعثين والآخر نحو الأنشطة الثقافية، والآن يتم تجهيز مقر للملحقية لشرائه كما أن لدينا الآن مقرا مؤقتا، ويجري حالياً استقطاب الكفاءات من الموظفين للعمل بالملحقية سواء من الشباب السعودي المتحدث بالإسبانية أم من الموظفين الإسبان الذين يجيدون اللغة الإنجليزية والعربية إن أمكن إلى جانب اللغة الإسبانية، لنبدأ تنفيذ الخطة الطموحة التي أعددتها الوزارة .
* ما المعايير التي يتم على أساسها اختيار الموظفين للعمل في الملحقية؟
- ولله الحمد.. فقد قامت الوزارة مشكورة بتزويدي بنخبة من الزملاء ذوي الخبرة والاطلاع والتجربة، وهذا ما تحتاجه الملحقية الجديدة بالفعل ألا وهم ذوو الخبرة، وأسعى أن يكون الإنسان العامل في الملحقية مؤهلاً فاهماً جاداً ويمتلك الحس الوطني والعزيمة الصادقة للمساهمة الثقافية للمملكة، فالعمل خارج المملكة العربية السعودية ليس بالأمر السهل ولكن عندما تستحضر الحس الوطني لديك فإن هناك الكثير من الأمور التي تستطيع أن تجتازها.
* كم وصل العدد الإجمالي لموظفي الملحقية حتى الآن؟
- الوزارة دعمتنا بسبعة إلى ثمانية موظفين سعوديين يعملون فيما بين الشؤون الإدارية والمالية والدراسية والتقنية، وسنحظى كذلك بكوكبة من أعضاء وعضوات هيئة التدريس حيث انضمت إلى فريق العمل مؤخرا إحدى الأخوات الحاصلات على الدكتوراه ووجود الكادر النسائي مهم، حيث يتطلب وجودهن، ومن الجانب الآخر فسيتم التعاقد مع عدد من الموظفين الإسبان ذوي القدرة والكفاءة ولديهم مؤهلات عالية، كما أنني سأفرض عليهم شرطا أن يكون سبق لهم العمل في مؤسسة تعليمية إسبانية كجامعة مثلا، حيث سيكون ملماً بطبيعة النظام التعليمي في إسبانيا.
* عقد مؤخرا الملتقى السنوي للملحقين الثقافيين بالخارج، فهل لك أن تطلعنا على النقاط التي تم نقاشها خاصة فيما يتعلق بالملحقية الوليدة في إسبانيا؟
- اعتبر نفسي محظوظا وموفقا من الله - عز وجل - حيث كان بداية عملي متزامنة مع اللقاء السنوي السابع للملحقين الثقافيين، وكانت فرصة مهمة استثمرتها بكل تفاصيلها وهذا الملتقى عبارة عن ملتقى تشاوري يتباحث فيه الملحقون مع قياديي وزارة التعليم العالي ممثلة في معالي الوزير الدكتور خالد العنقري ونائبه الدكتور أحمد السيف والمشرف العام على الملحقيات الدكتور عبد الله الطاير ومختلف المسؤولين بالوزارة والجهات الحكومية ذات العلاقة كوزارة الخارجية والداخلية وغيرها من الجهات، وذلك يصب كله في تنسيق وترتيب كل ما يخدم أبناءنا المبتعثين والتغلب على الصعوبات التي تواجههم، وثانيا تنمية ودعم العمل الثقافي للمملكة العربية السعودية، فكانت فرصة ممتازة استفدت فيها من التجارب الشخصية للزملاء الذين التقيت بهم سواء في الوزارة أو خارجها، علاوة على الدورة التي حضرتها في الوزارة التي امتدت لثلاثة أشهر، كما أن ذلك توافق مع إقامة المعرض والمؤتمر الدولي للتعليم العالي الذي يعد تظاهرة عالمية، فنادراً ما نرى تجمعا علمياً ثقافياً أكاديمياً كالذي نراه الآن، حيث توجد أكثر من خمسمائة جامعة من مختلف دول العالم، وهذا يقودني للحديث عن تواصلنا مع الجامعات الإسبانية خلال زيارتي الأخيرة لإسبانيا التي لي علاقة مع معظمها من قبل وذلك بحكم عملي وتخصصي، كما تواصلنا مع الجامعات البرتغالية حيث تقع البرتغال داخل نطاق الملحقية كذلك، وخلال تجولي في المعرض زرت عددا من أجنحة الملحقيات والمؤسسات التعليمية المختلفة التي ستثري - بإذن الله - تجربتنا للمستقبل.
* هل انفصلت الملحقية بمدريد كليا عن الملحقية الثقافية بفرنسا أم ما زالت هناك بعض الجوانب مرتبطة فيها؟
- إدارياً ومالياً انفصلت، ولكن أكاديمياً لم تنفصل حتى الآن وذلك مراعاة لمصلحة مبتعثينا، كما تعلم أنه لحين تشكيل فريق العمل وتجهيز البنية المناسبة لبيئة العمل سيستغرق ذلك وقتا، ولذلك لن نفصل المبتعثين أكاديمياً عن فرنسا حتى يتم التأكد من جاهزية الملحقية، خاصة أن عملية الفصل بسيطة في ظل وجود نظام السفير الدراسي الإلكتروني .
* هل سيتأثر المبتعثون من تبعات هذا الفصل كتأخر مكافأتهم على سبيل المثال؟
- أبدا فقد تم التنسيق مسبقا مع البنك وهو بنك عالمي ونفس البنك الذي يستعمله المبتعثون.
* إسبانيا دولة غنية ثقافياً وكذلك تربطها علاقات مميزة مع المملكة.. فما قراءتكم للدور الذي ستلعبه الملحقية في سبيل تطوير هذه الثنائية؟
- تعتبر الثقافة الإسبانية مع الثقافات العالمية المميزة، فلو استعرضنا مثلا جانب الشعر والرواية لوجدنا اغلب الحائزين على جائزة نوبل هم من الإسبان، كما أن التاريخ العريق لإسبانيا أو ما يطلق عليها الأندلس سابقا لو تصفحناه لوجدنا أن التزاوج مع الحضارات والأديان والثقافات يكاد لا يكون إلا فيها، وهذا ما عمق الرؤية لدى سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في اختيار مدريد حاضنة للمؤتمر الأول للأديان الذي انبثق عنه اتفاقية إنشاء مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات بالنمسا، وهذه الرؤية نتخذها نبراساً لبيئة عملنا وتعميق العلاقات بين البلدين تحت ظل ثقافة الاعتدال المعروفة لدى المملكة العربية السعودية في كل المجالات في إبراز الموروث الثقافي والفكري لدينا ونقل ما يملكه الإسبان من مخزون ثقافي كبير.