بعض الشيء يكون شبيهاً له، بينما الواقع المشاهد يؤكّد عكس ذلك تماماً، وأن ما يُسمى بالفرقة الجارودية في اليمن، التي تزعم كذباً أنها من الزيدية، ليست منها في شيء، ولا تتخلّق بأخلاقها، بل إنها تمتد في جذورها امتداداً طبيعياً إلى الاثني عشرية الصفوية، التي توظّفها في المشاهد السياسية في اليمن من حين لآخر.. فهي كفّ لها تضرب به من تشاء عدواناً عليه. وهي جارودية خادعة تخالف الزيدية في الثوابت، إذ هي قد نشأت في وجود الإمام زيد بن علي - رضي الله عنهما - لكنها تناقضه في الأفكار والمنهج، وأن رئيسها أبو الجارود زياد بن المنذر، قد انضم إلى الإمام زيد بن علي مع كثير من فرق الشيعة في الكوفة عندما دعوه سنة 122هـ؛ لنصرته في حربه ضد هشام بن عبدالملك، ثم تخلوا عنه ونقضوا بيعته؛ لرفضه تكفير الصحابة - رضي الله عنهم - وإبطاله دعوى النص الذي ذهبت إليه الجارودية وروّجته لأغراضها، لكنه - رضي الله عنه - الصحابي المؤمن الذي لا يقبل المجاملة في صحابة رسول الله، ولا يعتقد في الخلافة أنها أصل من أصول الدين يترتب على المساس بها تكفير أو تفسيق، فانسلخت الجارودية من زيديتها المؤقتة بمجرد رفضها مبادئ الإمام زيد وأفكاره؛ لتعود إلى أحضان إماميتها مرة أخرى.. وهذا يؤكد قطعاً أن أبا الجارود ليس زيدياً، بل مختلفٌ عنه، بعيدٌ عن منهج دعوته.
والمتتبع للتاريخ اليمني ومصادره الموثوقة، يلحظ إنكار علماء الزيدية في كل العصور لهذه الجارودية وتبرؤهم منها ومن أفكارها ومنهجها الذي يتردد من حين لآخر، وأن هناك فرقة تسمى الفرقة الصالحية التي أسسها الحسن بن صالح بن يحيى سنة 168هـ وازدهرت في عصر أحمد بن عيسى سنة 247هـ، هي من يجسد فكر الإمام زيد الحقيقي، وأن دحر هذه الفرقة والقضاء عليها أصبح مطلباً صفوياً لتمرير الفكر الجارودي إلى منابع الزيدية في اليمن، وإقحامه عنوة لأخذ مكاسب مادية ومعنوية من هذه المفاهيم المتشددة.
وأكثر من ذلك توكيداً أن هذه الفرقة الجارودية ليست من الزيدية لا شكلاً ولا مضموناً، وأنها اثني عشرية لا محالة، هو انتقال أتباعها الحركيين المعاصرين، بدر وحسين الحوثي، إلى الحوزة العلمية في النجف، والحوزة العلمية في قم، للنهل من منبع قيمها الصفوية المسيَّسة، التي لن يجدوها عند علماء الزيدية في اليمن، ليتجلّى علناً أن الجارودية ورضيعتها الحوثية ليستا من فرق الزيدية، إنما هي اثني عشرية، صفوية، مجردة من كل سليم الأفكار، ومن كل صادق القيم والمبادئ. والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.