الدستور، هو أعلى وأسمى قانون يحدد القواعد الأساسية لشكل الدولة، وطبيعة نظام الحكم فيها، وشكل الحكومة، كما ينظم السلطات العامة فيها من جهة التكوين والاختصاص والعلاقات التي بينها، ويرسم بعناية حدود كل سلطة، عملاً بمبدأ فصل السلطات، ويحفظ الواجبات والحقوق الأساسية للأفراد والجماعات ويضع الضمانات لها تجاه أي تجاوز قد يصدر عن السلطة.
وتشمل وثيقة الدستور اختصاصات السلطات الثلاث، التشريعية والقضائية والتنفيذية، وتلتزم بها كل القوانين واللوائح الأدنى مرتبة في الهرم التشريعي، إذ يجب على القانون أن يكون منضبطاً بروح الدستور وأحكامه. وتكون القوانين واللوائح غير شرعية إذا خالفت قاعدة واردة في الوثيقة الدستورية، وهو ما يصطلح عليه في القانون الدستوري بعدم دستورية القوانين.
لقد ذهب العديد من الفقهاء في القرن الثامن عشر، من بينهم عالم الاجتماع الفرنسي جون جاك روسو، إلى أن الدستور هو وثيقة تعاقدية بين الحاكم والمحكوم توجب التزامات وتمنح حقوق لكلا الطرفين، وتحدد طبيعة نظام الحكم واختصاصات سلطات المؤسسات الدستورية، وأنه بموجب هذا التعاقد الاجتماعي يتحدد مستقبل هذه العلاقة بين طرفي العقد.
وتنقسم الدساتير من حيث التدوين إلى دساتير مكتوبة وغير مكتوبة، ومن حيث طريقة تعديلها إلى مرنة وجامدة، ومن حيث محتواها إلى مطولة ومختصرة.
ويعتبر الدستور مكتوباً إذا كانت غالبية قواعده منصوص عليها في وثيقة أو عدة وثائق رسمية صدرت من المنظّم، أما غير المكتوبة فيقصد بها مجموعة من القواعد العرفية عُمل بها لسنوات ممتدة حتى أضحت بمثابة القانون الملزم، ويمثّل الدستور الإنجليزي أبرز مثال للدساتير غير المكتوبة.
أما الدساتير المرنة، فإنها تلك التي يمكن تعديلها بنفس الإجراءات التي يتم بها تعديل القوانين العادية، أي بواسطة السلطة التنظيمية، وأبرز مثال لها هو الدستور الإنجليزي أيضاً، فيما الدساتير الجامدة تلزم إجراءات أشد لتعديلها، مثل دستور أستراليا الفيدرالي الذي يتطلب موافقة أغلبية مواطني الولايات، إضافة إلى أغلبية الأصوات على المستوى الفيدرالي.
وهناك أيضاً دساتير مطولة وأخرى مختصرة، إذ تناقش الأولى وتنظم مسائل كثيرة ومتعددة وتفصيلية، ومثال ذلك دستور الهند لعام 1950م. أما الدساتير المختصرة، فإنها تقتصر على الموضوعات المهمة دون الدخول في التفاصيل، مثل دستور دولة الكويت لعام 1961م.
إن من مظاهر دولة الحق والقانون سمو الدستور فيها على باقي النصوص الواردة في هرم القوانين، وذلك من أجل حماية الدولة والمجتمع والمؤسسات من أي فعل يخالف روح الدستور ومنطوق القانون. وتحتاج الدول إلى مرجعية سامية يحتكم إليها الجميع، أفراداً ومؤسسات، وأي مخالفة لها تعتبر باطلةً شرعاً وقانوناً، فيتدخل القضاء المختص ليعيد الأمور إلى نصابها حمايةً للسير العادي للمؤسسات بعيداً عن أي شطط أو استغلال للسلطة.
ويقوم نظام الحكم في المملكة على القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة كمصدرين تشريعيين ساميين، مع ترك المجال مفتوحاً للإجتهاد الفقهي بشأن أي نازلة أو مسألة لم يرد فيها نص صريح وحكم بيّن، لتحقيق مصلحة المجتمع وسلامة سير أعمال الدولة. فماذا يقصد بسمو الدستور؟
عرّف أستاذنا معالي الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز بن شلهوب نائب رئيس المراسم الملكية مبدأ سمو الدستور في كتابه «النظام الدستوري في المملكة العربية السعودية بين الشريعة الإسلامية والقانون» بقوله: إن القواعد الدستورية لها مكان الصدارة على جميع القواعد القانونية الأخرى.
وقد اتفق الفقهاء قديماً وحديثاً على أن القصد بسمو الدساتير علو مكانتها ومرجعيتها على باقي النصوص القانونية وغيرها من ناحية القوة والإلزام، كما لا يجوز لأي سلطة في الدولة أن تتصرف خارج نطاق روح ومنطوق الدستور.
فهناك معيار موضوعي لسمو الدستور، ويتجلى في تحديد مرتبة القاعدة القانونية وقوتها على أساس الموضوع والمقتضيات التي تتناولها، وبذلك يقصد بالسمو الموضوعي للدستور تبوؤه لمركز الصدارة في تدرج القوة الإلزامية للقواعد القانونية للدولة، فلا يوجد أي نص أو قاعدة قانونية تعلو قواعده أو حتى تُدانيه أو تساويه في المرتبة.
وبذلك يتضح أن السمو الموضوعي للدستور يكمن في طبيعة وخطورة وأهمية الموضوعات التي ينظمها والمبادئ العليا التي يحتويها، مما يجعل من الدستور مفتاح النظام القانوني برمته وأساسه ومرتبته العليا، حيث تستمد كل فروع القانون العام أو الخاص روحها وقواعدها من أحكام الدستور والرؤية السياسية التي يتضمنها.
وهناك ثلاث خلاصات لسمو الدستور، وهي تدعيم وتوسيع مبدأ المشروعية وسيادة القانون، والصفة الدستورية التي لا ترتبط فقط بوثيقة الدستور المكتوبة، وعدم جواز تفويض إحدى السلطات لاختصاصاتها لسلطة أخرى دون نص صريح من الدستور.
أما السمو الشكلي للدستور، فيستند إلى مضمون القاعدة وجوهرها، أي بالنظر للجهة التي تصدرها والإجراءات المتبعة في إصدارها وتعديلها، كما تعني صعوبة الإجراءات المتبعة في وضع الدستور وتعديله. ولا يتحقق المفهوم الشكلي لمبدأ سمو الدستور إلا في ظل الدساتير الجامدة، وليس له وجود في البلاد ذات الدساتير المرنة كإنجلترا لأنه في هذا النوع لا يوجد فرق في الدستور المرن بين إجراءات تعديل الدستور وإجراءات وضع وتعديل القانون العادي.
وخلافاً للسمو الموضوعي للدستور، الذي يرى معظم الفقه أنه سمو ذو طابع سياسي محض دون أن تكون له آثار قانونية، فإن السمو الشكلي يرتب نتائج قانونية بالغة الأهمية على مخالفة أحكام الدستور، وعلى رأسها بطلان النصوص القانونية غير الدستورية.
ويدعم ويقوي مبدأ سمو الدستور مبدأ المشروعية ويوسّع من نطاقه، لأنه يتطلب خضوع الكافة لقواعده من ناحية، وخضوع التشريعات واللوائح والقرارات النافذة في الدولة لأحكامه من ناحية أخرى. وبذلك يمثل الدستور بسموه وعلوه قمة المشروعية في الدولة، وعلى منواله، وبالإتفاق مع أحكامه، يجب أن تصدر جميع القوانين فيها، وعلى جميع السلطات الالتزام بأحكامه ومقتضياته، وإلا كانت تصرفاتهم باطلة قانونياً ودستورياً.
وتتنوع الرقابة على دستورية القوانين في حالة الدساتير الجامدة، تبعاً لاختلاف الجهة المسند لها اختصاص الرقابة على دستورية القوانين، حيث نجد أنه في بعض النظم الدستورية تُسند إلى جهة سياسية، وتسمى بالرقابة السياسية، وفي نظم أخرى تسند إلى جهة قضائية، وتسمى الرقابة القضائية.