المخدرات ليست داءً أو مشكلة فحسب، بل هي حرب مدمرة للأمم والشعوب، وأن مجتمعنا مستهدف في قدراته وفي شبابه، ولا أدل على ذلك من كميات المخدرات التي يتم إحباط تهريبها من الجهات المختصة في الجمارك أو مكافحة المخدرات، واستهدافنا من قبل عصابات منظمة لهذا الغرض، ويكفي ما تناقلته الأخبار مؤخراً، وفق ما صرح به المتحدث الأمني لوزارة الداخلية بأن الجهات المختصة تمكنت بتوفيق الله تعالى، وبالتنسيق والتعاون مع الجهات الأمنية المختصة بمملكة البحرين الشقيقة من رصد ومتابعة وإحباط محاولتين لتهريب (22,085.570) اثنين وعشرين مليوناً وخمسة وثمانين ألفاً وخمسمائة وسبعين قرصاً مخدراً تُقدر قيمتها السوقية بـ (1.038.021.790) مليار وثمانية وثلاثين مليوناً وواحد وعشرين ألفاً وسبعمائة وتسعين ريالاً، كما تم القبض على (5) سعوديين ومواطن بحريني من المتورطين في ذلك.
وأوضح المتحدث الأمني بأن المحاولتين تمتا عبر جسر الملك فهد، الأولى بتاريخ 14-4-1435هـ، في حين جرت المحاولة الثانية بتاريخ 14-5-1435هـ وتم فيها ضبط (14.425.570) قرصاً مخدراً مخفية داخل بكرات مواد بلاستيكية، وقد أكدت التحقيقات الجارية في هذه الجريمة ارتباطها بشبكة تهريب دولية تنشط في تهريب تلك الأقراص المخدرة إلى المملكة، ويتزعمها أشخاص سوريو الجنسية يتنقلون بين عدد من الدول بالشرق الأوسط وتعمل الجهات المختصة على استكمال الإجراءات النظامية لملاحقتهم قانونياً ومحاكمتهم أمام القضاء الشرعي بالمملكة.
وفي الوقت الذي نحمد الله - عز وجل - على أن حمى بلادنا وشبابنا وشاباتنا من هذه المحاولة الدنيئة التي تستهدف بلادنا المباركة المملكة العربية السعودية ليس للكسب المادي فحسب، بل هناك عوامل أخرى لدى البعض هي مهمة عند المستهدفين، فبلادنا مهد الرسالة ومشرق النور ونبض الأمة وفؤادها وإليها يتجه المسلمون في صلاتهم كل وقت وهي رائدة الأمة وإليها تتجه الأنظار والأفئدة، وأعداء الأمة لا يريدون لها ولشبابها الخير فهم يسعون إلى تفتيت الشباب بهذا الداء الوبيل والشر المستطير، هذا البلاء الذي يأكل الأخضر واليابس ويقضي على الدين والدنيا ويدمر الجسد والعقل والقلب ويفرق الجماعات والأفراد، ويسبب الفرقة والشتات والفقر والمشكلات الأخلاقية والاجتماعية فينعدم العقل وتذهب المشاعر والأحاسيس.
وإذا كنا نفخر ونعتز ونسعد بما قام به رجال مكافحة المخدرات في هذا العمل الاستباقي القوي، فإن بواعث الأسى والحزن تكمن في الأرقام التي سمعناها عما تم مصادرته في هذه العملية وفي العمليات السابقة وما يعرضه المسؤولون في مكافحة المخدرات عن الكميات المضبوطة بأنواعها وأشكالها المختلفة التي استهدفت شباب بلادنا بقصد إفساد دينهم ودنياهم وعقولهم، وهي مثال عريض يبين حجم هذه الحرب الضروس على بلادنا وعمادها وهم الشباب.
إننا نسعد ونفخر بجهود رجال الأمن وعلى رأسهم رجل الأمن المخلص صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز ورجال الأمن البواسل كل في موقعه سواء في مكافحة المخدرات أو سلاح الحدود أو أمن الطرق أو غيرهم، بل إن هناك من قدَّم روحه في سبيل الله لمحاربة هذا الوباء، كل هذه الجهود تُذكر فتُشكر، بل إن من بواعث الفخر والاعتزاز الجهد الذي نسمع عنه ونراه في خطوات استباقية في متابعة المهربين والمروجين في بلدانهم واكتشاف مصانع في الخارج مخصصة لتوريد المخدرات للمملكة فقط، ومن ذلك أحد مصانع الحبوب المخدرة في إحدى الدول، وقد حدّثني بعض المسؤولين في مكافحة المخدرات قبل أكثر من عامين وخلال زيارة رسمية للمديرية العامة لمكافحة المخدرات عن هذا الإنجاز وهذا العمل الاستباقي الذي كان سيغزو بلادنا وشبابنا.
والجهد الذي يبذله رجال المديرية العامة لمكافحة المخدرات جهد مشكور إلى جانب الأجهزة الأمنية وجهود المؤسسات الدينية والتربوية والإعلامية المساندة في التوعية والوقاية وما يقومون به من جهد للتحذير من أضرار المخدرات ولكن المشكلة أن المخدرات ليست داءً يسهل برؤه وتزول آثاره في المجتمعات بالعلاج فهو داء عضال مزمن بل هي حرب دائمة تتطلب منا اليقظة والحذر والاستعداد التام وإعداد القوة والعتاد لمواجهة القائمين على هذه الحرب ليس في بلادنا، بل في عقر دارهم وهو ما تم إنجازه في أعمال كثيرة و - لله الحمد - ولا بد من تكاتف جهود الجميع من المؤسسات الرسمية والأهلية والأفراد والجماعات لوقاية أبنائنا من هذا الخطر الذي يهدد مستقبل الأمة والمجتمعات ويستنزف جانباً من مواردها المالية وإمكاناتها البشرية، وقد طالبت في مقالات عدة وفي كتاب سابق أعددته بعنوان «وباء المخدرات وخطره على الصحة والمجتمع»، وقدم له معالي وزير الصحة السابق الدكتور حمد المانع، طالبت من ضمن ما طالبت به من مقترحات رجال الأعمال والشركات والمؤسسات التجارية الوطنية للإسهام ضمن مسؤولياتهم الاجتماعية بالمساهمة في التوعية بأضرار المخدرات والمكافحة من خلال دعم برامج التوعية عبر وسائل الإعلام والاتصال بالتنسيق مع الجهات المعينة، وألا نكتفي بأيام وأسابيع فقط بل تكون الحملة مستمرة لمواجهة هذا الوباء الخطير.
كما أن هذا لا يعفي أولياء الأمور من المسؤولية الأولى لهم لتوعية أبنائهم وتحذيرهم من رفقاء السوء الذين يجرونهم لمستنقع المخدرات، فإذا حصّنا أبناءنا من هذا الداء فلن يجد البائع والمروّج من يبيع عليه ويسوّق له هذا الوباء ويجب أن نعمل على مسارين مسار الوقاية أولاً والمكافحة والعلاج وقد يكون ثمن العلاج باهظاً وهذا ما رأيناه ليس في الخسائر المادية بل في حوادث الطلاق والقتل والخطف والاعتداء على الأرواح والأعراض وهو ما سمعنا عنه كثيراً من أناس تعدى أذاهم بسبب المخدر على غيرهم إن لم يقتلوا أنفسهم نتيجة تعاطي المخدرات.
إن حديثي ليس عن ضرر المخدرات فهو معلوم لدى الصغير والكبير ولا يمنع من التذكير به، وإنما حديثي في الإنسان على نقطتين رئيسيتين: أولاهما: حمد الله - عز وجل - على أن حفظ الله هذه البلاد والعباد من هذا السوء والإشادة بجهود الرجال المخلصين والتأكيد على أن يتكاتف الجميع أفراداً وجماعات في مكافحة ومحاربة هذا الوباء وهذا الخطر الداهم.
ثانيهما: إن معظم المدمنين لا يكتفي بإدمانه فقط بل تراه يسعى إلى جر بعض أفراد عائلته إلى هذا الوباء فتراه يدعو أقرباءه وندماءه وأقرانه بل وزوجته إلى مشاركته في هذا الداء، وبعض المدمنين ينجح في جذب بعض أفراد أسرته لهذه المشكلة، ويعظم الخطر حينما يتبع الأولاد سير أبيهم، ويقتفون خطاه في هذا الأمر الخطير في الوقت الذي كان يفترض فيه أن يكون خط دفاعهم الأول بعد الله - عز وجل -.
إن مدمن المخدرات يفقد الشعور بالمسؤولية، لأنه مشلول في تفكيره ومصاب بفساد الطبع ويتخلق بالصفات الذميمة للشذوذ في الغريزة، وضرر هذا ممتد إلى كثير من الأفراد، وذلك يؤدي إلى الفوضى وانعدام الأمن ويجر إلى الحصومات والفساد الاجتماعي.
ومعلوم أن مدمن المخدرات لا يتورع عن سلوك أي طريق لتأمين احتياجاته من المخدر، وهذا ما نقرأ ونسمع عنه في الحوادث في مجتمعنا وفي المجتمعات الأخرى فيلجأ للسرقة حتى من أقرب الناس إليه من والد ووالدة وزوجة وإخوان وجيران، كما أنه في حالات فقد الوعي قد يقدم على ارتكاب جرائم بشعة مثل هتك الأعراض والاغتصاب وإزهاق الأرواح وأعظم من ذلك بأنه قد يسترخص أعراض محارمه بالاعتداء عليها أو تقديمها ثمناً لجرعة أو قطعة مخدر!!
وقبل أن أختم حديثي أذكر بأن البعض قد يهوّن من خطر المخدرات في بلادنا الغالية، لكن الحقيقة التي لا مجال للتشكيك فيها أن الخطر في تزايد مستمر على الرغم من النجاحات الكبيرة التي تحققها الأجهزة الأمنية في قطع كل سبل وصول هذه السموم إلى البلاد وتشديد الرقابة على المنافذ وملاحقة المهربين والمروجين مما يتطلب تكثيف الوعي من كافة الأجهزة المعينة ومسؤولية الأهل في التحذير والتوعية والرقابة من خلال المناقشات البناءة والهادفة مع الأبناء والاقتراب منهم والاستماع لمشكلاتهم والرد على أسئلتهم وتوضيح الالتباس والغموض وتصحيح الأفكار الخاطئة لدى الشباب ،فسلامة العقل وصحة البدن نعمتان حبانا الله بهما ويجب المحافظة عليهما والمحافظة على الفرد لا تقل عن المحافظة على المجتمع والأمة.
إن مسؤولية مكافحة المخدرات ليست خاصة برجالات الأمن فقط، بل هي مسؤولية المجتمع بأسره بدءاً من الأسرة.. فالمسجد والمدرسة وكافة المؤسسات الاجتماعية عليها تقع المسؤولية في مجابهة ومحاربة هذا الداء الفتاك الذي يخطط له الأعداء لهدم المجتمعات وتفكيكها بل وتمزيق وحدتها من الداخل.
وأمام تزايد هذه الحملات المسعورة من قبل عصابات منظمة تريد نشر هذه السموم في أرجاء الوطن يتحتم علينا كأفراد ومؤسسات أن نكون يقظين، ومساندين لرجالات الأمن وألا يتم التعاون والتراخي بالإبلاغ عن هؤلاء - قدر الاستطاعة.
كما أنه أصبح من الأهمية بمكان ضرورة وضع إستراتيجيات توعوية ووقائية جديدة لمجابهة المخدرات ومن ورائهم تشترك فيها كل القطاعات الحكومية بلا استثناء وبمشاركة القطاعات الخيرية والأهلية والأفراد ذكوراً وإناثاً.
وختاماً إليكم يا رجال مكافحة المخدرات أيها الأبطال الأشاوس أنتم ورجال الأمن الآخرون ممن يسهرون على حماية الوطن والدفاع عنه من كل أذى ومكروه أنتم في جهاد وفي رباط فبلادكم هي قبلة المسلمين، وتحكم بشرع الله وحماية البلاد والدفاع عنها وصيانتها هي من الجهاد المبارك وعملكم من الرباط وهو مطلب شرعي ووطني، وحماية بلادنا حماية للإسلام والمسلمين وحماية لأهلنا وعرضنا وأموالنا: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون عرضه فهو شهيد» وأن تحموا قبلة المسلمين، وتحموا أموالكم وأعراضكم.. فهنياً لكم بهذا العمل المبارك وهذا فضل من الله - عز وجل - عليكم: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}، فعليكم بإخلاص النية لله - عز وجل - واحتساب هذا العمل المبارك والجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام وقد هيأ الله لكم جهاد ومحاربة هذا الوباء وهؤلاء الأعداء.. فهنيئاً لكم هذا العمل وهذا الجهد وهذا الرباط وإليكم شيئاً بشرتم به من رسول الله صلى الله عليه وسلم فعن سهل بن سعد - رضي الله عنهما - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها).. وعن سلمان الفارسي - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم وليلة في سبيل الله خيرٌ من صيام شهر وقيامه وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي كان يعمل وأجري عليه رزقه وأمن الفُتان).
وما يُقال عنكم أيها البواسل من رجال مكافحة المخدرات يقال عن إخوانكم في القطاعات الأمنية الأخرى بوجه عام ورجال سلاح الحدود بوجه خاص فعملكم رباط وهو أشبه بملازمة الثغور في حماية البلاد وأهلها من كل عدو وحاقد وأنتم في فضل عظيم ومكانة عالية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل ميت يختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة، ويؤمن من فتنة القبر)، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أجر المرابط فقال: (من رابط ليلة حارساً من وراء المسلمين كان له أجر من خلفه ممن صلى وصام).. وعن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل).. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).
حفظ الله بلادنا من كل سوء ومكروه ورد كيد كل عدو في نحره، وجعل تدميره في تدبيره، ورد عليه دائرة السوء وأدام الله علينا نعمة الأمن والإيمان، وحفظ لنا خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين، وسمو ولي ولي عهده.