رغم كل التحذيرات ورسائل التوعية، لازال هناك من يتبرع بالمال لجمعيات مجهولة تدّعي أنها خيرية، وقد تم القبض مؤخراً على شبكة تضم عدداً كبيراً من الوافدين الذين يجمعون المال تحت مسميات خيرية وهمية ويرسلونه إلى الخارج لأماكن تنشط فيها الأعمال الإرهابية والإجرامية. وقد تبيَّن أنّ تلك الشبكة تمارس التدليس والاحتيال وإيهام المواطنين بأنّ ما يقومون به هو عمل خيري حقيقي.
قد يكون لدينا من يتعاطف مع أنشطة الجهات التي تصب التبرعات في خزائنها، ولكنني لا أتحدث عن هؤلاء فهم يعرفون ما يفعلون، وهم يمارسون نشاطهم عن سابق إصرار ويعلمون أنّ تبرعاتهم وتبرعات المواطنين المغرّر بهم تذهب إلى أنشطة تتعارض مع المصالح الوطنية.
أتحدث، هنا، عن المواطن البسيط الخيِّر الذي يظن أنّ تبرعاته تذهب إلى الفقراء والمحتاجين، بينما هي في الواقع تذهب لدعم أنشطة قد تكون إرهابية وتذهب أيضاً في كثير من الأحيان إلى جيوب أشخاص متخصصين في النصب والاحتيال، واستطاعوا أن يبنوا إمبراطوريات مالية من التبرعات التي يجمعونها من المواطنين.
الشبكة التي تم القبض على أعضائها استطاعت جمع الكثير من المال وأرسلته إلى اليمن! وأعضاء الشبكة يحملون الجنسية اليمنية، ويمارسون أساليب احتيالية، بما في ذلك انتحال أسماء شخصيات معروفة واستغفال الآخرين من خلال تلك الأسماء المنحولة! ومعلوم أن اليمن تعج بالأحداث والفتن، وهناك قنوات معروفة لمن يريد أن يتبرع للشعب اليمني الشقيق من خلال الجمعيات والجهات التي تتوافر عنها معلومات كافية بدلاً من التبرع لعصابات مجهولة.
إنّ حملات التبرع للأعمال الخيرية المجهولة تكاد تختفي اليوم من معظم بلدان العالم، لأنّ مثل هذه الحملات هي ـ في الحد الأدنى ـ مدخل للعصابات الإجرامية التي تجمع المال لأهداف شخصية، وقد تكون وسيلة لما هو أسوأ وهو تمويل الأعمال الإرهابية. وبدلاً من التبرع لجهات مجهولة أو لأشخاص مجهولين، أصبحت التبرعات تتم وفق تنظيمات محددة ومن قِبَل جمعيات أو جهات مسجلة رسمياً.
مطلوب من الجميع المشاركة في التوعية، وخاصة أئمة المساجد وكل من يعمل في وسائل الإعلام، من أجل ترشيد أنشطة التبرع، لكي تصل التبرعات إلى من يستحقها، بدلاً من أن تذهب إلى جيوب المحتالين أو إلى الأنشطة السيئة، فمن المؤسف أننا ـ في هذا المجتمع ـ لازلنا نكرر نفس الأخطاء على الرغم مما مررنا به من تجارب مؤلمة في هذا المجال!