الفساد ظاهرة إنسانية موجودة منذ القدم، ولا أظن عصراً من العصور خلا منه، فهو آفة موجودة بين البشر تسعى جميع المجتمعات والإسلامية منها تحديداً إلى القضاء عليها والتقليل من آثارها المدمرة للمجتمع بأفراده ومؤسساته ومنظماته الدينية والعلمية والاجتماعية، ولا ريب أن هذا الفساد نوع من التخريب يسري إلى عروق الجسد المسلم فينهك الوحدة ويضعف قوة المجتمع التي جاء الإسلام آمراً بالحفاظ عليها محارباً في الوقت ذاته كل صوره وأسبابه وجذوره ليصبح المجتمع الإسلامي قوياً صلباً لا يكسر.
لا شك أن حكومتنا الرشيدة تسعى بكل وضوح وشفافية إلى اجتثاث كل أشكال الفساد وصوره من خلال إقرار الاستراتيجيات وسنّ القوانين وإنشاء الإدارات المعنية بمكافحة هذه الظاهرة في المملكة العربية السعودية، ومن ذلك الأمر الملكي الذي أصدره الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله- بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد عام 1432هـ.
والجهود في مكافحة هذه الظاهرة متواصلة على قدم وساق، ولا يخفى على أحد البعد الديني في مكافحة الفساد ودحضه، وليتحقق دوره فلابد من تقوية الوازع الديني لدى الناشئة وغرس مخافة الله لدى أفراد المجتمع بكافة أطيافه، فالنفس الخاوية من الإيمان لا تخشى الله ولا تبالي بارتكاب المحرمات، ولا تشعر بأي رادع لها من العقوبات التي تلحق بمن يسعى في الأرض فساداً، ويغريها الشيطان ويزين لها ارتكاب أنواع المعاصي والإفساد, فيسمي الأشياء بغير مسمياتها, وهو لا يعلم أن هذا يعرضه لعقوبة الله وغضبه.
ولتقوية الوازع الديني لدى المجتمع، لابد من انتهاج بعض الطرائق والأساليب التي من شأنها إيقاظ نفوس المجتمع نحو مفهوم الفساد لمعرفته ومن ثم اجتنابه، ومن أهمها تفعيل دور التعليم الذي يأتي في المقام الأول ولا يمكن أن يعفى من مسؤوليته المهمة الملقاة على عاتقه وهي توعية الطلاب والطالبات وتثقيفهم من خلال إدراج مواضيع واضحة وجلية في مناهج التعليم العام والجامعي تعنى ببيان صور الفساد وأضراره وموقف الإسلام منها؛ فيها الحثّ على الإيمان، والأمانة، والصدق، والإخلاص، ولابد من تحديثها وتطويرها باستمرار لتناسب مختلف الأعمار والمراحل الدراسية.
وكذلك ينبغي تفعيل البرامج الشرعية التي تركز على بيان الصور المختلفة للفساد والعقوبات المترتبة على مرتكبيها وأقوال الشرع في ذلك وحال الأمم التي فشا فيها الفساد وقضى عليها، ولابد أيضاً من تفعيل دور وسائل الإعلام في بيان الآثار الوخيمة التي يتركها الفساد على المجتمع من خلال إيراد الأدلة القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن الفساد وتأمر باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، وللأسرة دور عظيم في تعزيز الوازع الديني لدى أولادها وكافة أفرادها من خلال المناقشات المفيدة بين الفينة والأخرى في بيان حال المفسدين من الأمم وآثار الفساد المترتبة على المجتمع واقتصاد البلد.