بغض النظر عن مناسبة اللقاء، يُواجَه المهندس محمد الماضي، نائب رئيس مجلس إدارة سابك، ورئيسها التنفيذي، بتساؤلات لا تنتهي عن أسعار الغاز المحلي.. مراجعة سياسات الدعم، هي مسؤولية الحكومة التي توازن بين احتياجاتها التنموية وبين حجم المحفزات المقدمة للصناعة.. لكُلٍ وجهة نظر، يعتقد بصحتها، وللحكومة وجهة نظر أخرى في تعاملها مع أدوات التنمية، ومحفزاتها.
تسعى الحكومة لتحقيق التوازن الأمثل بين استغلال الثروات وتحقيق أهداف التنمية الصناعية، والاقتصادية بشكل عام، ما يجعلها أكثر شمولية في نظرتها تجاه قطاعات الإنتاج.. التركيز في سياسات الدعم على الغاز بمعزل عن الثروات الأخرى فيه بعض التحيز ضد صناعة البتروكيماويات التي تُمثّل ما يقرب من 80 في المائة من صناعاتنا وصادراتنا غير النفطية، والتي يعوّل عليها كثيراً في إنجاح إسترتيجية الصناعات التحويلية الوليدة.
في اللقاء السنوي لجمعية خريجي جامعة MIT عرض المهندس محمد الماضي، تجربة خلق قطاع البتروكيماويات السعودي بنجاح، وتحدث بولاء وعشق وشفافية عن التجربة الرائدة التي ووجهت بكثير من التحديات، إلا أن إيمان القائمين عليها، وثقتهم بنجاحها ساعد على الاستمرار وتحقيق الهدف الوطني الإستراتيجي.
تحول «الحالمون» الأوائل، إلى خبراء في التنمية الصناعية والبشرية بعد تحقيقهم النجاح.. حفظ المهندس الماضي لجيل الرواد حقه التاريخي، وتحدث عن تجربتهم بزهو وافتخار، وربط بين ماضي «سابك» وحاضرها، وكلاهما ينافس الآخر في الأهمية.
يُحسب للمهندس الماضي جرأته في التوسع الإنتاجي عالمياً، وفي عمليات الاستحواذ على الشركات العالمية التي وفرت لسابك آلاف الابتكارات الحديثة التي أسهمت في تحسين عمليات الإدارة والتشغيل والتحكم وتعظيم الربحية.. يبدو أن تركيز المداخلات في لقاء الجمعية، واستهلالها بأسعار اللقيم رفعت من حدة إجابات الضيف، وأثارت، أيضاً، بعض الحضور من الرواد الأوائل، ومنهم الدكتور فيصل البشير الذي أوجز وأقنع.
يعتقد المهندس الماضي بأن سابك أثبتت للحكومة خلال ثلاثة عقود ونصف العقد «فائدة ثبات أسعار الغاز ورخصه بهدف تطوير الشركة»، وهو ما أدى إلى خلق قطاع صناعي متكامل، والإسهام بقوة في الابتكارات التي تقدمها الشركة وتطويرها المواهب والاستثمارات الخارجية.. وقارن الماضي بين ما تستفيده الحكومة من فوائد على أرصدتها السائلة، وبين ما يقدمه قطاع البتروكيماويات من خلال تثبيت أسعار اللقيم.. وأرجع الأمر في النهاية إلى متخذ القرار السيادي في المفاضلة بين ما تقدمه صناعة البتروكيماويات، والصناعات التحويلية مستقبلاً، وبين بناء الأرصدة والحصول على بعض الأرباح المحدودة.
أتفق تماماً مع تحليل المهندس الماضي لربحية الحكومة والاقتصاد من قطاع الصناعات البتروكيماوية، وأزيد أن الاستثمارات الصناعية المحلية أكثر أماناً من الأرصدة الخارجية، وأكثر تحقيقاً لأسس التنمية المستدامة، وأكثر خَلْقاً للوظائف وللفرص الاستثمارية ولتنويع الصناعات، ودعم الاقتصاد المعرفي الذي يعتمد في الأساس على الابتكارات التي حصلت سابك على الجزء الأكبر منها محلياً.
قياس الربحية بمعايير تسعير الغاز قد لا يعطي الصورة الشاملة للوضع القائم.. اليوم تدير سابك 50 في المائة من عملياتها الإنتاجية في الخارج، وهذا أمر لم يكن ليتحقق لولا الدعم الحكومي المسؤول، والرؤية الإستراتيجية التي نفذتها إدارة الشركة باحترافية. عندما بدأت الهيئة الملكية وسابك عملياتهما التنموية، انعكس ذلك إيجاباً على قطاع البتروكيماويات، التنمية الصناعية، والتنمية المدنية الشاملة.
لم تكن المملكة قادرة على نقل التقنية الحديثة، والتوسع في الصناعات وفتح قطاعات إنتاجية جديدة لولا تلك التجربة الناجحة، التي لم تستهلك شيئاً غير (الغاز المحروق)، وأسهمت في تعظيم استثمارات الحكومة المالية، وتحقيق قفزات تنموية كبيرة.. ماذا لو حصلت «سابك» في بداياتها على امتياز الغاز المهدر، حماية للبيئة، ومساهمة في خلق قطاع صناعي جديد؟!.. جميعنا يتذكّر امتياز النفط (الجائر) في حينه، الذي عارضه الجميع، ووافق عليه من امتلك الرؤية المستقبلية، فأثبتت الأيام نجاح أصحاب الرؤى، وخطأ معتنقي سياسة التنظير.
الحديث عن سابك، يعني الحديث عن الحكومة التي تمتلك 70 في المائة منها، إضافة إلى 6 في المائة للتأمينات.. ما يعني ضمان خراجها أو خراج الغاز المُباع، بمعنى أن المستفيد الأكبر من الغاز المدعوم هي الحكومة، ومن مصلحتها الحصول على أرباحها كاملة من خلال المنتجات المصنعة محلياً، بدلاً من حصولها على نفس الحصة من بيع الغاز، إضافة إلى ذلك فالأرباح الموزعة على 24 في المائة من حملة الأسهم الباقين، هي جزء من المشاركة الربحية في الثروة بين الحكومة والمواطن، والمبنية على أسس استثمارية.
التفكير الإبداعي يجب أن يتحول من جدلية أسعار اللقيم، إلى أهمية استنساخ سابك في قطاعات مختلفة وبما يضمن تحقيق أهداف التنمية الصناعية والتوسع في قطاعات الإنتاج.