أ. د/ محمد بن سعد بن حسين الراحل المقيم الرجل العصاميّ الضرير البصير قدوة المكفوفين، أراد ففعل وحاول فأدرك ما يريد.
عرفته قبل سبعين عامًا يوم كنّا نقيم في رباط (دخنة) بمدينة الرياض، كانت غرفته بجوار غرفتي وكنّا نلتقي في مجالس المذاكرة وفي حِلَق التعليم لدى الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله.
قضينا مدّة لا أتذكّر عدد سنيِّها وكثيرًا مما جرى فيها وكانت المرحلة الأولى من صداقتنا.
التقينا مرّة أخرى في دار التوحيد بمدينة الطائف عام 1371هـ، وكانت هذه المرحلة الثانية، وكنّا نلتقي صباحًا في فصول التعليم ومساءً في مهجع الدار.
نخرج معًا للتنزه، نذهب للأسواق وحدَينا أحيانًا وأخرى مع غيرنا.
جمعتنا المرحلة الثالثة في مدينة الرياض لمّا عدنا إليها ملتحقَين بالمعهد العلميّ عام 1372هـ، وبعد المعهد استمرت مسيرتنا طالبَين في كلية اللغة العربية.
ولم نكن في هذه المرحلة على صلة تامّة لأن كل واحد منّا يسكن في منزل خاصّ ولانصرف كل واحد منّا إلى شؤونه التعليمية الخاصّة به ولأنّي سبقته إلى الالتحاق بالكلية بعام واحد.
شهدت هذه المرحلة أمرًا مهمًّا له أثر بالغ في حياتينا، كان في مدينة الرياض شخص كفيف اسمه أحمد البا حسين من أهل نجد لكنّه مقيم في قرية الزبير بالعراق قدم مع مجموعة من الشباب للدراسة في المعهد العلميّ وكان يجيد طريقة (برايل): الخطّ البارز فطلبنا - أعني أ. د/ محمد بن سعد وكاتب هذا المقال وصديق آخر اسمه عليّ السويّد تخرّج في كلية الشريعة وعيّن قاضيًا في آخر أيّامه وتُوُفَِي غفر الله له- منه أن يعلِّمنا الطريقة المذكورة ففعل متبرِّعًا -جزاه الله خيرًا وأجزل مثوبته- ولم نسبق إلى ذلك فكنّا أوّل مجموعة تعلمت هذه الطريقة في المملكة العربية السعودية.
كان الصديق الزميل محمد عصاميًّا مكافحًا مصرًا على تحقيق هدفه لا ينثني ولا يستسلم للإخفاق يتحمّل ويصبر فكان له الظفر بكثير مما حلم به.
إذا همّ ألقى بين عينيه عزمه ونكّب عن ذكر العواقب جانبًا
كان يتمنّى أن يكون مثل طه حسين فنال ما تمنّى وأصبحت مؤلَّفاته مثل مؤلفات طه حسين أو تزيد وأصبح علمًا من أعلام الأدب مثله.
كانت حياته حياة عمل ودأب: كتابة وقراءة وتعليم، خرّج من الطلاب المئات الّذين أصبحوا أساتذة، لم يقف عن التعليم والعمل حتى حال بينه وبين ذلك المرض.
غفر الله له وعفى عنه وجمعني وأحبابنا في فردوسه.