فنان أجاد التعبير عما في داخله, و وجده الحزن الشخص المناسب الذي يعبر عنه من خلال حنجرته المميزة، التي وجدها مسكن و ملاذاً له، في وقت قل من يجيد التعبير له.لم يختر الحزن، بل الظروف التي سلمته هذا « الشجن».ولد عبادي الجوهر يتيم الأب، فوجد في أمه من «تغنيه» عن رحيل الأب الذي لم يره إلا في الصور.و هو في سن الحادية عشر، عثر على صديق لا يخون، ولن يخيب الظن به، وهو العود الذي احتضنه لساعات و ساعات، وقيل كاد أن ينام و هو محتضنه، ساعده هذا الصديق المفضل لديه إيجاد ما يسعى إليه، فتعلم العزف مفرداً، وأبدع به.
فلقبه الفنان الراحل طلال مداح بأخطبوط العود، ولقبه الأمير عبدالرحمن بن مساعد بسفير الحزن.فأصبح للعود أخطبوطاً من مهارة تحكمه في أوتاره، وللحزن سفير من نبرة صوته.
أخذ الموت منه أمه بعد رحلة عناء مع مرضها, الذي سعى هو بشتى الطرق أن يعالجها, فسافر بها إلى مصر لعلاجها لكن الإقامة تحتاج إلى مصاريف كثيرة، وبعد خمسة أشهر لم يبق لديه سوى ما يكفي لنفقات أسبوع واحد فقط، فاضطر السفير للموافقة على عرض أحد متعهدي المسارح الليلية للغناء مقابل 1000 جنيه لليلة الواحدة. ولأول مرة يجد نفسه مجبراً على الغناء، واستمر بالغناء وتكاد عيناه أن تفيض بدمع، وفي كل وقفة يحاول أن يتلقى «تصفيق» الجمهور بابتسامة وكان الخوف أقرب إليه من تلك الابتسامة التي خلفها من الحزن و اليأس، استمرت رحلة الحزن إلى مالا نهاية . فغناء حتى الصباح، و في الصباح يمكث متعباً على كرسي بجوار والدته . كان يجلس بخوف و حيرة في أمره، يخشى أن يفقد نبع الحنان مثلما فقد أبيه. في ذلك اليوم بعدما رأته أمه يكاد أن يُغشى عليه من التعب أصرت عليه أن تعود إلى جدة لأهلها في عام (1392هـ).. وهناك ماتت أمه، يقول... أشعر بأن شيئاً قد تم استئصاله مني.و في (1426هـ) بدأت معاناة جديدة لا تختلف عن ما قلبها,إلا أنها مزدوجة فكانت زوجته التي هي أغلى ما يملك في حياته، تعاني من مرض طاف بها في كل بقاع الأرض لعلاجها, لكن الموت كان أقرب إليها، و بعدها بشهر واحد فقط توفي أخوه الكبير و عضيده في هذه الدنيا عبد الرحمن فكانت المصيبة الكبرى أن يرحل من تبقوا له بعد أمه في شهر واحد.»ضاعت بداياتي بقية نهاياتي و أسأل إجاباتي هو أنا أخطيت ».
فغاب عن الساحة الفنية من شدة الصدمة لعام ونص حتى عاد إليها بقوة، فأبكى جماهيره التي اشتاقت إليه, و تسأله عنه كثيراً، وحزنت لمعاناته، فهم يرونه الوحيد الذي يستطيع التعبير عن حزنهم، يبكيهم كثيراً بصوته الحزين، بمشاعره التي تفيض من أعماق قلبه، فأجابهم في ألبومه (الجرح أرحم) بأغنية «تسألوني أيش الخبر بشتكي من هم وضيق حالتي لا ما تسر لا عدو ولا صديق عذبت قلبي الهموم..»
فعذروه عن غيابه، و أبكاهم في أغنية أخرى في نفس الألبوم»الجرح أرحم من فراقك دقيقة لو ترحلي أعيش من غير مدري ..»
فكانت تلك العودة من الغياب أجمل البدايات لدى جمهوره التي قال عنها في إحدى لقاءاته «أنا أغني للناس و أغني آلام الناس و أفراح الناس و أحاسيس الناس و مشاعرهم فلا بد أن أكون قريبا منهم..»
الفنان عبادي الجوهر استطاع أن يجد لنفسه مكاناً مرموقاً بين كبار الفنانين، وأن يصعد جسر النجاح خطوة بخطوة حتى وصل إلى ما هو عليه الآن، هناك أعمال خالدة له وستبقى خالدة في عقول وأذهان جماهيره لأنها ليست مجرد أغان يسمعها الناس ويملونها.
أنما هي روائع ولوحات فنية رائعة لا يمل المستمع منها مهما أعادها مراراً و تكراراً.