Wednesday 30/04/2014 Issue 15189 الاربعاء 01 رجب 1435 العدد
30-04-2014

من أجل نهضة تقنية في تعليم اللغة العربية

حين استخدم العالم العربي المسلم تقي الدين بن معروف الشهير بالراصد، والمعروف بأبي التكنولوجيا عند المسلمين مصطلح التقانة فإني أظن أنه فعل ذلك لمجرد أن يحقق للعرب سبقا يفاخرون به الدنا، ويعطيهم إرثاً يبرر تأخر اللاحق عن مجارة السابق،

ويترك لهم مجدا يقتاتون منه، إذ ليس في حاضر العرب ما يجعل من ذلك السبق عملاً ذا قيمة، فقد تطورت البشرية تقنيا حاشا العرب، ونشرت الأمم لغاتها في فضاء المعرفة خلا العرب، وأخذت كل أمة بحظها من التقنية، ولم يعد للعرب مكان ورضوا بحظهم من كان يا ماكان.

وحتى حينما دخلنا هذا العالم الجديد، كان أول ما انشغلنا به عنه، هو تحديد المصطلحات، فكلمة الإلكتروني دخلية، والبديل هو التقانة، ولكن هل نقول: التقانة أم التقنية، وإذا كانت التقانة فهل هي بكسر التاء أم بفتحها، وإن كانت الأخرى فهل هي بتشديد التاء وتسكين القاف، أم بتشديدهما معا، ويسير الركب، ونحن في حيص بيص، وأهلنا يصدق فيهم قول ربنا: «لو كان عرضاً قريباً سفراً قاصداً لاتبعوك».

ولكنه ليس كذلك للأسف فنحن في عالم متغير ومتسارع، لن ينتظر، ولذا بعدت بيننا وبينهم الشقة، ووكرهت العربية انبعاثنا الخجول، فلم يبق لنا إلا أن نأخذ الكتاب بقوة، وهذا أمر يعجز عنه الأفراد، وتقصر دونه المؤسسات، وتنوء بثقل مسؤوليته الدول. وللإنصاف فإن ثمة مادة وجهود أو أفرادا ومؤسسات وبرامج ومشروعات ومبادرات تسهل البدء والبناء والإنجاز على من يريد أن يبدأ ويبني وينجر. ولكن خطوة مهمة تسبق ذلك كله هي التخطيط السليم الذي لا يتحقق إلا من من خلال تشخيص الواقع واستقرائه واستشرافه، تشخيص لما تم، واستقراء للكم، واستشراف لما ظهر في الأفق ونم.

قالت العرب في أمثالها: لا تقوم القدر إلا على ثلاثة أثافٍ. وقالوا في المثل: هذه ثالثة الأثافي.. فما الأثافي؟ الأثافي مفرد الأثفية. والأثفية هي الحجر الذي يوضع تحت القدر. وغالبا ما يكون تحت القدر ثلاثة، وعلى الأغلب يكون الثالث هو طرف الجبل ليحمي النار المتقدة من هبوب الريح أن تطفئها.

في مطبخ العربية، لابد من وصفة وخطة لنهضة العربية، تحديدا في تعليمها، وفي الجانب التقني منه، وهذا لا يقوم إلا على ثلاثة أثافٍ، هي: دعم مؤسسي رسمي وقرار سيادي، ثم مؤسسة علمية تمثل مرجعية موثوقة، وناشر واع مواكب لتطور المعرفة وأدواتها.

ومن بين هذه المرتكزات الأساسية يبدأ البحث عن نقطة الارتكاز في قضية إدماج الجانب التقني في تعليم اللغة العربية، ولست أراها إلا في وجود إرادة سياسية، وقرار سيادي، ينطلق من إيمان راسخ، وقناعة متجذرة، ورؤية علمية، مع الالتزام بخطة تنفيذية، ومدى زمني، وبرنامج شامل، ومتابعة مستمرة، وتقييم دائم. فهل هذا موجود وكائن وحاصل؟

إن من أشهر المؤسسات الرسمية التي أخذت بعداً سيادياً، مركز الملك عبدالله الدولي للغة العربية الذي يحمل القائمون عليه مسؤولية عظيمة وأمانة جليلة إما أن يأخذوها بحقها أو يتركوها لمن هو أحق بها. ثم المنظمة العالمية للنهوض باللغة العربية التي أشهرت في قطر، وكتبت السياسة شهادة وفاتها قبل أن تولد. ثم المجلس الدولي للغة العربية وهي تجربة لن تنجح إلا إذا التفت لمحورينا التعليم والتقنية، ولست أراها إلى الآن فاعلة ولذا لن تكون فاعلة، ويمكن أن أطبق على مؤسسة أكثر نضجاً واتصالاً بالتعليم هي: برنامج محمد بن راشد للتعليم الذكي.

فقد كان مفاجئاً أن يعلن مؤتمر لندن للتعليم الذي عقد في ربيع الأول- يناير من العام الحالي عن أن برنامج محمد بن راشد للتعليم الذكي هو الأول من نوعه على مستوى العالم الذي يقدم نظاماً متكاملاً لتقييم تكنولوجيا التعليم في المدارس استناداً إلى تقارير ودراسات رسمية أجرتها المؤسسة الرائدة في صناعة التكنولوجيا والبرامج التقنية في العالم (hp)، وحينما يأتي هذا الإعلان من قبل مؤسسة عالمية هي الأشهر في إنتاج التكنولوجيا وبرامجها استنادا إلى تقارير ودراسات أجرتها ضمن سياستها التي تستهدف الوقوف على خريطة الدول المتقدمة في تكنولوجيا التعليم فإن هذا أمر علمي حقا ومهني جداً، علما أن من مبررات هذا الإعلان أن الإمارات هي الدولة الوحيدة عالميا من بين 11 دولة متقدمة التي تعتبر برنامج التعلم الذكي مشروعا وطنيا مدعوما بإرادة سياسية وتطلعات مجتمعية واسعة الأفق والنطاق. ولذا حق لي أن أضع هذه الأثفية أولاً، وأقول هي ثالثة الأثافي، وأهمها.

أما الركن الثاني فهو المؤسسات العلمية التي تعنى باللغة العربية، إذ هي المكمل والموجه والمنسق بل ولن أبالغ حين أقول أنها قد تكون سبب نجاح أو فشل كل جهد رسمي.. إن كان ثمة من يشك في كلامي فعليه أن يجمع شتات فكره ويسأل نفسه: ما الذي قدمته المجامع اللغوية المتفرقة للغة العربية؟.. لا شيء سوى أبحاث ودراسات، ومؤتمرات وتعريب مفردات، ثم كل ذلك في الإدراج ولكن أقول سلة المهملات، لقد استهلك أحد المجامع ما يقارب من 5 جلسات ليقر لفظة حاكوم، وما زال أطفالنا يقولون الريموت!.

بل ما الذي قدمته لتعليم اللغة العربية؟ التعليم.. الذي يتعبر الزاوية المظلمة والنقطة العمياء في عمل تلك المجامع التي ربما بل يقينا أن بعض أعضاء مجلس إدارتها لا يملك حتى الآن بريدا إلكترونيا.

ولذا.. فقد تجاوزها التاريخ وأصبح المعول الآن على الجمعيات الأهلية مثل جمعية اللغة العربية في الجزائر، وجمعية لسان العرب، وحماة الضاد في مصر، وجمعية حماية اللغة العربية في الإمارات، وقد أعطت هذه الجمعيات للغة بعدا مجتمعياً بل ومدرسيا. صحيح أنه يفتقر للتأصيل العلمي ويعجز تقنيا، ولكنه حقق مكتسبات أبرزت اللغة العربية في حقل التعليم ولامست الجانب التقني. لكن التغيير المنشود أيضاً لم يأت منها، وإنما أتي من مبادرات فردية شبابية تعاضد أصحابها ولامسوا عنان التقنيات فكانت مبادرات مثل: تغريدات التي يكفيها فخراً أن أثرت في تويتر -وهو الذي يؤثر ولا يتأثر- فعربته. ثم كان عملها الأهم والذي لامس التعليم بشكل عام من الجانب التقني حين قرروا زيادة المحتوى العربي على شبكة الإنترنت من خلال مشروعات كثيرة، وهو الآن وعلى الرغم من أنهم غير متخصصين في اللغة العربية يعملون على تطوير محتوى إلكتروني والدخول بمناهج اللغة العربية إلى عالم الأجهزة الذكية.

أما ثالث الأركان فهو عالم النشر، وما أدراك ما النشر، ليس الشر بل النشر، وليس المنشار بل الناشر، الناشر الواعي، الذي يرى في النشر رسالة وليست مهنة حرفية وليست تقليداً، أفقاً واسعاً ينطلق من الكتاب ولا يقتصر عليه.. ويرى في علاقته مع المؤسسات التعليمية تكاملا لا تسويقاً، ومع الجمهور تحقيقا لفائدة لا استغلالاً لحاجة.

يمكن الإشارة هنا إلى ناشرين عالميين مثل: ماكميلان، كولون، بيرسون، بريتش كاونسل، أكسفورد، لديهم سلاسل لتعليم اللغة الإنجليزية، وبرامج إلكترونية، وتطبيقات ذكية، ثم ابحثوا عن الناشر العربي، لتروا أن القضية الكبرى للناشرين العربالتي أستهلكوا فيها سنوات، وعقدوا من أجلها مؤتمرات، هي: هل يلغي الكتاب الإلكتروني الكتاب الورقي؟ وكأنه همهم الوحيد هو الخوف على لقمة العيش وليس مجاراة التطور الذي يفرض نفسه.

دعونا نتذكر بشيء من الحسرة شركات مثل صخر وسلسبيل اللتين اختارتا في وقت مبكر أن تدخلا عالم التقنية فتحاً، وتجرا معهما اللغة العربية جراً، ولكن عراقيل ربما تكون إدارية ومالية وسياسية أوقفت وعرقلت تلك المبادرات، وحورب بعضها بسبب تعارض مصالح خاصة، وهذا لا يمكن أن يتم في غير البلاد العربية، ولا يتوقع إلا في البلاد العربية.

وعليه، دعونا نتجاوز هاتين التجربتين، ونتحدث عن أحدث تجربة في عالم النشر، توجهت للعربية، ممتطية التقنية، وهي تجربة دار كلمات للنشر التي أصبحت الآن مجموعة كلمات للنشر، بعد أن جاءت شقيقتها الصغرى حروف لتكون ذراعاً يدعم التعلم الإلكتروني في اللغة العربية مدخلا كافة مجالات التعليم الإلكتروني بدءاً من الأقراص ومروراً بما اتسم بالذكاء من الجماد كالسبورة، والأجهزة، والكتاب الذي تجاوز الذكاء إلى النطق، فنطق، لعل التقنية تنطق المتعلم بلسان عربي مبين.

- ورقة عمل مقدمة في ملتقى كرسي بحث جريدة (الجزيرة) بجامعة الأميرة نورة بن عبد الرحمن - الإمارات

مقالات أخرى للكاتب