لأنك إنسان، لك اسم وروح وخفق وكيان، تود أن تحيا كما يجب أن تكون الحياة، تطلق صوتاً، تغرس بذرة لشجرة ستظلك يوماً، ترسم مجداً، تشعل شمعة لإضاءة طريقك وطريق من حولك، يحدث ذلك ما دمت تملك وعياً تجاه الهدف الأسمى والأجمل والأعمق من هذه الحياة .. وفي هذا المسار تنشأ علاقات مختلفة بينك وبين الآخرين؛ لأجل تحقيق مصالح متبادلة ليس من الضروري أن تكون مادية سطحية فجة، وإنما تلك العلاقات التي تشعرك بأهميتك وبجماليات الآخرين حولك على اختلاف مشاربهم ومعطياتهم..
يعتبر «الواتس أب» وسيلة تواصل اجتماعي تقدم كثيراً من الفوائد خاصة على مستوى الأعمال، حيث يضمن سرعة التعاطي مع الطرف الآخر لإنجاز عمل ما.. وقد انتشر بوفرة في مجتمعنا حتى أصبح في متناول الجميع على كل المستويات صغاراً وكباراً.. لا مانع أن تكون طرفاً فاعلاً، أن تدخل عالم التكنولوجيا الحديثة وتستفيد من هذه الوسيلة فيما يحقق الفائدة لك ولآخرين.. لكن قد لا تسير الأمور دائماً كما يرسمها خيالك..
يحدث أن تجد نفسك في مجموعة ما ثم تبدأ المفاجآت.. فمثلاً قد تكون المجموعة كبيرة، وكما يحدث غالباً تعتمد هذه المجموعة في تواصلها على الأخبار اليومية والمستجدات الاجتماعية المهمة والثقافية غالباً، وقد يكون للمجموعة رغبة صادقة في تطوير وعي أفرادها وأفهامهم ورؤيتهم للحياة إلا أن الواقع يفرض صورة أخرى، مثلما حدث لي مع إحدى المجموعات، الذي حدث أنني حين أغيب يوماً كاملاً وأعود في المساء إلى منطقة المحادثة أجد أنه قد فاتني كثيراً من الأخبار والأحداث؛ مما يجعلني أعود إلى القديم الذي تم طرحه خلال اليوم وهذا يستغرق مني كثيراً من الوقت.. عدا أن الأحاديث تأخذنا إلى متاهات أخرى فنتحدث عن مشكلاتنا اليومية وعن تفاصيل الأخبار المحلية والأخبار السياسية في قناة «الواق واق»، وعن مرض كورونا وانتشاره والمخاوف والأوهام حوله، ثم تنتقل الأحاديث إلى معاناة الكاتب المخلص ذي الحس المرهف مابين مأزق البحث عن فضاء حر للكتابة وما بين مشكلات طباعة الكتاب ونشره وتوزيعه، عن مستوى التعليم وعن كسل الطلاب وحوادث السيارات التي يذهب ضحيتها المعلمات، يتخلل ذلك أحاديث أخرى، مثلاً عن أثر سيئ لفيلم أجنبي شاهده أحدهم منذ أشهر.. تتدفق الكلمات والعبارات بلا حساب، أيضاً من المهم جداً أن يتضمن ذلك فيضاً من التحيات الصباحية والمسائية العابرة وغير العابرة، هناك أيضاً تحيات الضحى وأخرى مخصصة للظهيرة وثالثة بعد العشاء، تتصاعد الكلمات بلا حدود مهما كانت ملتزمة بالمسار الثقافي، لكن جل من لا يسهو، في لحظة شعرت بأنني بحاجة إلى مائة عام من العزلة لأجل التفرغ لـ «الواتس أب» وحده، الخلاصة أن التواصل عبر هذا البرنامج يستغرق كثيراً من الوقت والمجهود للعين؛ نظراً لصغر شاشة الهاتف المتنقل نسبة إلى الكمبيوتر، وعليه إن لم نتعامل معه بشيء من المنطق والعقلانية فسوف يستنزف أوقاتنا وحياتنا إلى أبعد مدى.