لأنه ينبغي دائماً أن يكون هناك مشجب نعلق عليه أخطاءنا، لم يستقبل بعض الكتاب بارتياح ما ذهب إليه مدير برامج التمويل في مؤسسة النقد السعودي محمد الشايع، من أن من تحميل المواطن السعودي جانباً من أسباب تأخر تملكه منزلا، «وذلك بسبب ضعف ثقافة الادخار». وانتقد الشايع، المواطن السعودي، «الذي تنعدم لديه ثقافة الادخار، مشيراً إلى دراسات أكدت أن نسب الادخار لدى المواطن منخفضة جداً، مقارنة بالدول الأخرى، مشدداً على ضرورة تنفيذ برامج محكمة لرفع وعي المواطن، وتعزيز فكرة الادخار لديه، لتحقيق حلمه في تملك منزل مع بداية حياتة العملية».
معاناة خليجية
لكن واقع التقارير الرسمية أكّد ما ذهب إليه مدير برامج التمويل في مؤسسة النقد السعودي إذ شدَّد الاقتصادي مسلط العجرفي على ضرورة تصحيح سلوك الإقراض بالسوق المحلية. وشدّد العجرفي على ضرورة القضاء على بعض السلبيات التي متى ما تم تثقيف المجتمع بها ستؤدي إلى أن تتراوح نسب التضخم بنسب معقولة جداً ومنها ثقافة القروض وانجراف المواطنين نحوها بشكل عشوائي وغير منظّم، قائلاً: «لذا فإن السيطرة على هذه العشوائية واستبدالها بأن تكون القروض للجوانب الملحة وذات الأولوية وبالتالي ستكون السيولة في الداخل سيولة إيجابية ويستوعبها السوق بشكل كبير كما سيصبح السلوك أكثر وعياً في هذه الجوانب بدلاً من الانفلات غير المبرر في هذه السلوكيات خصوصاً فيما يتعلّق بالقروض الاستهلاكية.»
توجه مصرفي
كما كشفت تقارير أخرى عن اقتراب الائتمان المصرفي للقطاع الخاص من كسر حاجز التريليون ريال بنهاية الربع الأول من العام الماضي، وذلك وفق بيانات حديثة أعلنتها مؤسسة النقد «ساما»؛ إذ أظهرت مواصلة نمو حجم الائتمان المصرفي للقطاع الخاص مسجلاً في نهاية الربع الأول من 2013 نسبة ارتفاع 3.5 في المائة، أي بنحو 33.5 مليار ريال؛ ليستقر عند 994 مليار ريال، مقارنة بنحو 960.5 مليار ريال في نهاية الربع الرابع من العام الأسبق؛ ليسجل بذلك مستويات جديدة. وتغطي هذه الفترة أشهر يناير وفبراير ومارس، وهو ما يعزز انتهاج البنوك أسلوباً أقل حذراً في إقراض شركات القطاع الخاص، إلى جانب أنه يعكس التجاوب مع جهود مؤسسة النقد خلال الفترة الماضية الهادفة لتعزيز وضع السيولة اللازمة لتلبية الطلب المحلي على الائتمان بهدف ضمان استمرار المصارف في أداء دورها التمويلي للعملية التنموية في البلاد.
وكشفت البيانات ذاتها نمو القروض الاستهلاكية المقدَّمة من قِبل البنوك السعودية في نهاية الربع الرابع من 2012 بنسبة 5.5 في المائة، أي بنحو 15.4 مليار ريال؛ لتستقر عند 292 مليار ريال، مقارنة بنحو 276.6 مليار ريال في نهاية الربع الثالث من العام ذاته. في حين سجَّل إجمالي قروض بطاقات الائتمان تراجعاً بنهاية الربع الرابع؛ إذ بلغ 7.9 مليار ريال، مقارنة بـ( 8.1) مليار ريال خلال الربع الثالث من 2012.
ثقافة غائبة
وسجلت القروض الشخصية من البنوك السعودية ارتفاعات متتالية في السنوات الأخيرة لترتفع بمعدل وسطي إلى نسبة 21% في العام، ولتصل في نهاية الفصل الأول من العام الجاري إلى نحو 342 مليار ريال (91.2 مليار دولار)، وما يؤرق الاقتصاديين أن هذه القروض الضخمة تكون في الغالب لأغراض استهلاكية، وليست لأهداف استثمارية.
وأبدى عدد من المتخصصين في الاقتــصاد بالسعودية قلقهم حيال ارتفاع مؤشـــر القروض، وحذروا من خطرها على الاقتصاد، خاصة إذا لم يتم توجيه القرض إلى السلع المعمرة أو أصول استثمارية كالعقار.
وإزاء الأمر، اعتبر الاقتصادي والمصرفي السعودي فضل البوعينين أن النسبة مرتفعة ونمو القروض أصبح مقلقا، خاصة أنه لا يعكس الحاجة إلى الاقتراض، بل يعتمد في الأساس على الاستهلاك الذي يمكن الاستغناء عنه.
وأشار البوعينين إلى أن أكثر من 83% من توزيع محفظة الأفراد في البنوك موجهة للقروض الاستهلاكية، و17% فقط موجه للقروض العقارية.
ويعزو المصرفيون والاقتصاديون أسباب ارتفاع الاقتراض لأغراض الاستهلاك إلى تغيرات العصر، والمجتمع الذي أصبح يفرض على الأفراد عادات استهلاكية جديدة يقول عنها البوعينين إنها تدفع نحو إدمان الاستهلاك، ومن ثم إدمان الاقتراض.
كما أشار البوعينين إلى سطوة القطاع التجاري بقدرته على تحويل المنتجات الاستهلاكية إلى منتجات أساسية، مع تسهيلات القطاع المصرفي في الحصول على القروض الاستهلاكية، وهي التي ساعدت -حسب رأي البوعينين- على ارتفاع حجم القروض بشكل كبير.
وقد أظهرت بيانات لمؤسسة النقد العربي السعودي مؤخرا ارتفاع القروض الاستهلاكية بالجزء الخاص بالسيارات في الربع الأول 2013 بنسبة 25.4%.
وفي ظل سيطرة الرأسمالية على الأسواق وتصدير الثقافات ورفع كفاءة الترويج وعمليات البيع انتشرت ثقافة الاستهلاك وغابت ثقافة الادخار والاستثمار. وبحسب البوعينين، فإن نسبة الادخار في المجتمعات الخليجية متدنية، وأغلبية الخليجيين لا يعتمدون على مدخراتهم لإشباع حاجاتهم الأساسية، بل على قروض البنوك.
وكانت مؤسسة النقد السعودي قد اتخذت العديد من التدابير للحد من التوسع في منح القروض الشخصية، منها: ألا تتجاوز المدفوعات الشهرية الإجمالية للمقترض مقابل إجمالي قروضه ثلث صافي راتبه الشهري، في حين أنها تتجاوز نسبة الاستقطاع من الراتب في بعض دول مجلس التعاون الخليجي (50%) مع سجل ائتماني للعميل يمكن البنك من اتخاذ القرار الائتماني السليم.
ويقول البوعينين إن نسبة التعثر في قروض الأفراد «متدنية جدا مقارنة بالنسب العالمية»، حيث تتراوح بين 1.2% و1.75%، أي أنها أقل من 2%.