العقلاء لا يتجاهلون الدروس والعبر، وحدهم السادرون في غيهم يتجاهلون كل الدروس والعبر، لكن في نهاية المطاف هم من يدفع الثمن الباهض لفاتورة التهور والسقوط الأخلاقي في مستنقع الخيانة الوطنية، أن الاستئناس برفقة الأفاعي، والاستعانة بالعقارب لن تدوم طويلاً، ومن المؤكد بأنها ستتمرد عليهم وتنقلب ضدهم، فالعقارب والثعابين لا تفرق
بين القريب والبعيد، ولن يثنيها الترويض والتدريب عن العودة إلى ممارسة نزعاتها الشريرة ولدغاتها السامة، أن الذين يحتضنون العقارب والثعابين ويدربونها على لدغ أقرب الناس أو أبعد الناس، لابد أن تلدغهم في بطونهم وأفخاذهم وأذرعتهم وظهورهم حينما تسمح لها الظروف وتتهيأ لها الأمكنة. إن الشواذ الذين خانوا أوطانهم وجندتهم الدول والأحزاب والهيئات والمنظمات وصفقت لهم طويلاً عندما أساءوا إلى أوطانهم ومجتمعهم وذويهم، لن تتردد تلك الدول والأحزاب والهيئات والمنظمات في رميهم في أرض النفايات وعقر الخراب عندما تنتهي المهمة وتكتمل، فالخائن يظل خائناً، والفاسد يظل فاسداً، واللئيم يظل لئيماً، ولن تستقيم الذيول المعوجة حتى لو وضعوها في قوالب فولاذية ردحاً من الزمن، لأن الاعوجاج هو الخصلة الثابتة في طباع الجراء الصغيرة مهما كبرت.
إن الخائن يجيد تمثيل الأدوار المسرحية، ويتقن ممارسة العبث اللا أخلاقي، وعنده خبث ولؤم وتمرد، ويعرف كيف ينسف كل المبادئ والقيم ويتجرد منها بكل يسر وسهولة، ولديه تحول عجيب في هدم كل أسس الولاء والانتماء والوطنية، وعنده هرولة فائقة في طرقات الفتن، لحظاته ساذجة، وطعامه جيف ميتة وفطائس، ثعلب ماكر هو الخائن، ذاكرته غير حية، وصورته ليست شيقة، وأسماله بالية، ليس له عزة، ولا إباء، ولا يتعاطى الصفات الحميدة، توافق مع العدو، واقتسم معه الحيلة والخيانة والغدر، متناقض، متمرد على البهاء والصدق والحقيقة، مشطور بين الحلم واليقظة، يجلس على عجيزته يتأمل قرية ذبابه الأسود، يحوم حوله، ويعشش في طياته المتعفنة، في سيرورة إنشاد لا يمكن وصفها، مشيته سريعة مثل خائف هارب، استراحة قلقة، ونومه كابوس مخيف.
إن الخائن عقرب سامة يحتضنه الأعداء، ويدربونه على الخيانة والتجسس ويشجعونه على النذالة وارتكاب أبشع جرائم القول واللفظ والتحريض والتشويه ومسرحيات الكذب والإشاعة والإحباط ضد وطنه وأهله ومجتمعه، فالخونة في العموم معتوهون يشبهون الخفافيش يخرجون ليلاَ ويختفون نهاراً، نوباتهم ليلية، ونومهم نهارا، احتضنهم الأعداء، ومهدوا لهم الطريق، وأناروا لهم الدهاليز والممرات المظلمة، وعلموهم أبجدية الهراء والنباح والثغاء، وغرسوا في نفوسهم بذور الشر، ودربوهم على ارتكاب الفواحش وقادوهم إليها، وزينوا لهم السقوط الأخلاقي في مستنقع الخيانة الوطنية، إنني أتساءل بتهكم مرير عن حال هؤلاء الخونة الذين تخلخلت مفاهيم الوطنية في وجدانهم القاصر السقيم، وتفسخ عندهم المخزون الوطني وتحلل، كيف تكون أحوالهم حين تنتهي المهمة؟ حتماً سيرمون عرايا في مجاهيل الظلام على أقل تقدير.