الجزيرة - مروان قصاص:
مع الانتهاء من العمل بتوسعة الحرم المكي الشريف الجاري تنفيذها حاليا ليل نهار في منتصف العام المقبل 2015م ستكون الطاقة الاستيعابية للحرم في ذروتها القصوى أكثر من ثلاثة ملايين مصلٍّ، و105 آلاف طائف حول الكعبة في الساعة الواحدة.
والمتابع لمراحل التوسعات التي شهدتها أروقة المسجد الحرام خلال أكثر من 14 قرنا مضت يجد أنها شهدت نقلات معمارية كثيرة ومتنوعة على مر العصور، غير أن التوسعة الأخيرة للحرم المكي الشريف في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز تعتبر الأكبر والأكثر تطورا وتوسعا أفقيا ورأسيا وخدميا وتحظى بمتابعة دائمة من خادم الحرمين الشريفين ومن كبار المسئولين في الدولة استجابة لتوجيهاته رعاه الله.
وفي الذكرى التاسعة لبيعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- نسترجع الكثير من المنجزات التي تحققت خلال هذه الحقبة التاريخية المجيدة ولعل أبرزها وأكثرها شمولية خدمة للإسلام والمسلمين هي اهتمامات الملك عبدالله بالحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة منذ توليه رعاه الله لمهام الحكم، حيث بدأ عهده الميمون بزيارتين لمكة المكرمة ثم المدينة المنورة وأعلن توسعة غير مسبوقة للحرمين الشريفين.
والمسجد الحرام هو أعظم مسجد في الإسلام ويقع في قلب مكة المكرمة، تتوسطه الكعبة المشرفة التي هي أول بيت للناس وضع على وجه الأرض ليعبدوا الله فيه، وهذه هي أعظم وأقدس بقعة على وجه الأرض عند المسلمين. والمسجد الحرام هو قبلة المسلمين في صلاتهم، سمي بالمسجد الحرام لحرمه القتال فيه منذ دخول النبي محمد إلى مكة المكرمة منتصرا والصلاة فيه تعادل مئة ألف صلاة. ولأهمية المسجد البالغة لدى المسلمين أولى الخلفاء الراشدون ومن بعدهم الحكام والملوك اهتماما كبيرا بتوسيع مساحة المسجد نظرا لتزايد أعداد المسلمين في العالم، وكانت أول توسعة للمسجد في التاريخ على يد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب عام 17 للهجرة ومن بعدها وحتى اللحظة لا تزال توسعة المسجد تتواصل.
وتأتي توسعة الملك عبدالله للحرم المكي التي يستغرق تنفيذها قرابة 6 سنوات بتكلفة إجمالية تبلغ 40 مليار ريال مواكبة لاهتمامات قيادة هذه البلاد منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- ستنفذ هذه التوسعة من خلال ثلاثة محاور رئيسية، الأول هو التوسعة ذاتها للحرم المكي، ليتسع بعد التوسعة لمليوني مصلٍّ، والثاني الساحات الخارجية، وهي تحوي دورات المياه والممرات والأنفاق والمرافق الأخرى المساندة التي تعمل على انسيابية الحركة في الدخول والخروج للمصلين.
أما الثالث فمنطقة الخدمات والتكييف ومحطات الكهرباء ومحطات المياه وغيرها، وتصل مساحة التوسعة إلى 750.000 متر مربع، ويشتمل المشروع على توسعة ساحات الحرم من جهة الشامية، تبدأ من باب المروة، وتنتهي عند حارة الباب وجبل هندي بالشامية وعند طلعة الحفائر من جهة باب الملك فهد وهذه التوسعة عبارة عن ساحات فقط ومقترح إنشاء 63 برجا فندقيا عند آخر هذه الساحات وتوسعة صحن المطاف بهدم التوسعة العثمانية وتوسيع الحرم من الجهات الثلاث وقوفا عند المسعى، حيث إن المسعى ليس من الحرم وتوسيع الحرم من جهة أجياد، كما تتم تعلية أدوار الحرم لتصبح أربعة أدوار مثل المسعى الجديد حاليا، ثم تعلية دورين مستقبلا ليصبح إجمالي التعلية 6 أدوار، وتشمل توسعة الحرم من ناحية المسفلة بهدم فندق الإطلالة وفندق التوحيد إنتركونتيننتال.
ومن الأرقام التي رصدت عن المشروع أن كمية الحديد المستخدمة في المشروع تصل إلى 280.000 طن، وكميات الخرسانة إلى أكثر من 850.000 طن، تغطي فيها طابقا تحت الأرض وكذلك الطابق السفلي والميزانين وطابق الروف (السطح).
وتتواصل المشروعات وتتعاقب الأجيال لخدمة أول بيت وضع للناس، ليبقى شامخا عظيما يستقبل زواره من حجاج ومعتمرين، وسيوفر مشروع توسعة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله- للحرم المكي الشريف، الفرص لأعداد غير مسبوقة من المسلمين لزيارة المسجد الحرام في وقت واحد، إذ سيرفع طاقة الحرم الاستيعابية من المُصلّين، ويجري العمل على تظليل الساحات الشمالية وربطها بالتوسعة الأولى والمسعى من خلال جسور متعددة لإيجاد التواصل الحركي المأمون للحشود، وستؤمن منظومة متكاملة من عناصر الحركة الرأسية، حيث تشمل سلالم متحركة وثابتة ومصاعد روعي فيها أدق معايير الاستدامة، من خلال توفير استهلاك الطاقة والموارد الطبيعية، وكذلك اعتماد أفضل أنظمة التكييف والإضاءة التي تراعي ذلك، والعمل على تهيئة الساحة الخارجية الواقعة بين باب «الفتح» وباب «العمرة» لتنفيذ البنية التحتية والخدمات لصالح المشروع ليكون امتدادا للتوسعة واتصالها مع الجهة الشمالية للمسجد الحرام.
لمحة تاريخية عن جهود الدولة السعودية
التوسعة السعودية الأولى للحرم المكي في عهد الملك عبدالعزيز، حيث أمر -رحمه الله- بصيانة المسجد وإصلاحه، وفي عام 1346هـ أمر بترميم الأرقة وطلاء الجدران والأعمدة وإصلاح قبة زمزم وبعد ذلك بسنوات تم تركيب مظلاّت تقي المصلين حرارة الشمس وهو أول من أمر بتبليط ما بين الصفا والمروة بالحجر كما أمر -رحمه الله- بتشكيل إدارة خاصة سُميت مجلس إدارة الحرم كان من مهامها القيام بإدارة شؤون المسجد الحرام ومراقبة صيانته وخدمته.
وفي شعبان 1347هـ أمر الملك عبدالعزيز رحمه الله بتجديد مصابيح الإضاءة التي بالمسجد الحرام وزيادتها حتى بلغت ألف مصباح.
وفي 14 صفر 1373هـ عندما تم إدخال الكهرباء إلى مكة المكرمة أُنير المسجد الحرام ووضعت فيه المراوح الكهربائية.
* أصدر الملك سعود رحمه الله في عام 1375هـ/ 1955م أمره بإجراء توسعة شاملة للمسجد الحرام وعمارته وتمت هذه التوسعة على مراحل عدة، شملت الكثير من الإنجازات أهمّها إزالة المنشآت السكنية والتجارية التي كانت قائمة قرب المسعى وهدم المباني القائمة شرق المروة والبدء بشقّ طريق جديد يمتد بجانب الصفا والمروة، وبناء المسعى من طابقين لاستيعاب أكبر عدد ممكن من الساعين والمصّلين ويبلغ طول المسعى من الداخل، وإنشاء 16 بابا للمسعى في الواجهة الشرقية وخُصِّص للطابق العلوي مدخلان أحدهما عند الصفا والآخر عند المروة وبُني له سُلَّمان من الداخل أحدهما عند باب الصفا والآخر عند باب السلام، وإنشاء مجرى خاص لتصريف مياه السيول، وإكمال بناء الطابق السفلي الذي أُقيم تحت جميع أبنية الحرم عدا المسعى، وتوسعة المطاف وترميم الكعبة وتجديد مقام إبراهيم عليه السلام.
من الإنجازات في العهد السعودي الميمون
* أنفقت حكومة المملكة العربية السعودية ما يزيد على 70 مليار ريال في السنوات الأخيرة فقط لإنجاز أعمال توسعة الحرم المكي الشريف استثناء تكلفة مشروع الملك عبدالله الجاري تنفيذه.
* وأصبحت مساحة الحرم المكي بعد أعمال التوسعة (356) ألف متر مربع بما في ذلك الساحات المحيطة به والمخصصة للصلاة وكذلك السطح بعد أن كانت قبل ذلك (152) ألف متر مربع ليتسع لـ770 ألف مصلٍّ بعد أن كانت طاقته الاستيعابية قبل ذلك في حدود (340) ألف مصل.
* ومن أبرز منجزات التوسعة زيادة المداخل، حيث بلغ عدد المداخل العادية للحرم خمسة وأربعين مدخلا بالإضافة إلى أربع بوابات رئيسية وعدد المآذن بالحرم تسع مآذن وعدد السلالم الكهربائية المتحركة سبعة سلالم بالإضافة إلى السلالم العادية.
* شملت التوسعات أيضا إنشاء محطة مركزية بمنطقة كدي لتكييف الحرم ويتم نقل المياه المبردة من تلك المحطة عبر أنابيب داخل نفق ممتد من الحرم إلى موقع المحطة ويتم ضخ المياه المبردة الخاصة بالتكييف إلى مبنى التوسعة إذ تدخل المياه إلى البدروم السفلى بالتوسعة الذي يشتمل على مائة واثنتين مضخة لتغذية وحدات معالجة الهواء وتم الانتهاء من المشروع بالكامل وتم تكييفه مركزيا وتزويده بالفرش الفاخر وإضاءته وتزويده بمكبرات الصوت ليتمكن المصلون من سماع صوت الإمام بكل وضوح وتوفير مياه زمزم المبردة من خلال الكثير من حافظات الماء الموزعة في جميع أرجاء الحرم.
* بلغت المساحة الإجمالية لساحات الصلاة بعد أعمال التوسعة أكثر من أربعين ألف متر مربع تستوعب أكثر من خمسة وستين ألف مصلٍّ في الأيام العادية وتتضاعف في أيام الذروة.
* تضمن مشروع التوسعة إنشاء نفق السوق الصغير الذي يمتد من ميدان الشبيكة إلى أنفاق أجياد السد ويفصل حركة المشاة عن حركة السيارات أمام المنطقة الواقعة أمام بوابة الملك فهد وبوابة الملك عبدالعزيز ليتمكن المصلون من الدخول والخروج من وإلى الحرم المكي الشريف بكل يسر وسهولة وكذلك الاستفادة من الساحات لأداء الصلاة فيها وتم الانتهاء من النفق الذي بلغت تكلفته الإجمالية أكثر من ستمائة وخمسين مليون ريال.
* تضمنت التوسعة تنفيذ عبارات خرسانية في منطقة ما حول الحرم المكي الشريف تم تنفيذها بشكل دائري لتمديد خدمات المرافق العامة بها من مياه وصرف صحي وهاتف وكهرباء وغير ذلك دون اللجوء إلى التكسير للحفاظ على جمال المنطقة.
* يولي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -حفظه الله-، اهتماما كبيرا بالأعمال والإنشاءات في الحرم المكي الشريف لراحة زوار بيت الله الحرام والمعتمرين والحجاج، حيث أمر بتخصيص أكثر من 10 مليارات ريال سعودي لصالح توسعة الحرم المكي وأعمال التوسعة للمسعى في قسمه الجديد، بحيث يتم إزالة المسعى القديم وتحويل السعي للمسعى الجديد بعد موسم حج 1428هـ، ليصبح أربعة أدوار مكيفة، وسيتم بناء المنارة من جديد شرقي التوسعة.