إعداد - خالد الدوس:
فقدت الحركة الرياضية بالمنطقة الوسطى في الأسبوع الماضي واحدا من أبنائها الأوفياء الذين خدموا مسيرتها الكروية قبل نصف قرن, وتحديدا في عقد الثمانينيات الهجرية من القرن الفائت.. أنه مدافع الهلال (سالم إسماعيل)-رحمه الله - الذي وفاته المنية عن عمر يناهز الـ70 عاما بعد معاناته المرضية, تغمد الله بواسع رحمته, والفقيد كان أحد الأسماء اللامعة في الخارطة الزرقاء مع الرعيل الأول جيل مبارك العبد الكريم وسلطان مناحي وعبد الله سوا وزين العابدين والجمعان وغيرهم من النجوم الذين صنعوا أولى الألقاب التاريخية والمنجزات الذهبية في المسيرة الهلالية, وساهموا في حصول نادي القرن على أكبر إنجاز في تلك الحقبة عندما جمع لقبي الموسم «كأس الملك وولي العهد الأمين» عام 1384 هـ, كثاني ناد بالمملكة بعد الاتحاد ينال هذا الشرف التاريخي بقيادة رائد الحركة الرياضية الأول, ومؤسس الهلال الشيخ عبد الرحمن بن سعيد-رحمه الله -الذي رسم ملامح ذلك الإنجاز الكبير, وعمر (هلاله) التأسيسي لم يتجاوز الـ7 أعوام.
« الجزيرة» وكعادتها في نقل الصورة عن حياة نجوم الماضي تكشف جانبا من حياة مدافع الهلال الراحل سالم إسماعيل نتناولها عبر الأحداث التالية:
البداية في مكة
*علاقته مع كرة القدم بدأت في مكة المكرمة في السبعينيات الهجرية من القرن الفائت، وتحديدا في حي الصفا -قبل التوسعة- وضم فريق الحي أسماء بارزة أمثال نجمي الوحدة حسن دوش وسليمان بصيري، ثم انتقل للطائف بحكم إن والده كان يعمل لدى الأمير منصور بن عبدالعزيز- رحمه الله - ولعب في صفوف فريق التضامن من الطائف بتأثير مباشر من المدرب «أحمد عبد الله» والد النجم الخلوق (ماجد عبدالله) الذي كان يدرب بعض فرق المحافظة في منتصف تلك الحقبة.
* كانت أول مباراة لعبها مع فريق التضامن ضد الوحدة من مكة ضمن لقاءات الدوري على ملعب ساحة إسلام، وانتهت لصالح الفرسان بهدفين، وشارك في خط الهجوم بعد أن نقله المدرب الراحل أحمد عبد الله من الحراسة إلى خط الهجوم بجانب هداف التضامن آنذاك (فرج مبروك) الذي انتقل لفريق الهلال في الثمانينات الهجرية.
انتقاله للثغر
* استمر المدافع الراحل مع (تضامن الطائف) موسمين وبسبب خلاف حصل بينه وبين الإدارة التي كان يترأسها (طاهر دهلوي) !! قرر-رحمه الله - الانضمام لفريق الثغر (الأهلي حاليا) وانتقل مع والده إلى «جدة» الذي كان يعشق الثغر وشرع في مزاولة التدريبات تحت إشراف مدربه آنذاك (أحمد يافعي) المعروف بشدته وحزمه مع اللاعبين ولكن لم يستمر طويلا في التمارين بسبب قيامه -أي المدرب- بضربه بالصافرة أمام مرأى اللاعبين نتيجة خطأ عفوي صدر منه أثناء التمرين الأمر الذي دفعه لمقاطعة التدريبات في ظل وجود المدرب وعاد مرة أخرى للطائف والتحق بفريقه السابق (التضامن)، وكان قبل عودته للطائف طلب منه الأمير عبد الله الفيصل -رحمه الله - الاستمرار مع الفريق، غير أن الموقف الذي اتخذه من المدرب دفعه للعودة للطائف وعلى مضض.
كوكب الرياض!!
* ففي نهاية السبعينات الهجرية توجه برفقة والده للعاصمة الرياض لزيارة أحد أقاربه بحي المربع الذي كان أغلب لاعبي فريق الكوكب- قبل حله -الذي ترأسه آنذاك سمو الأمير أحمد بن عبدالعزيز، من سكان الحي وطلبوا مشاركته الفريق وتمثيله أمام (الهلال) فشارك وخسر الكوكب اللقاء بنتيجة كبيرة، وكان الهلال يضم آنذاك نجوم كبار كمبارك العبد الكريم وصالح أمان وسلطان مناحي ورجب خميس وغيرهم من النجوم،وجاء انتقال زميله لاعب التضامن (فرج مبروك) أوائل الثمانينات الهجرية للهلال.. ليعزز فرصة انضمامه لهذا الكيان العريق وتحقيق الأمنية التي ظلت تراوده؛ ففي الوقت الذي كان الشيخ عبد الرحمن بن سعيد- رحمه الله- يسافر للمنطقة الغربية لظروف عمله بالديوان الملكي وينتقل للطائف في الصيف.. شاهد مستواه الفني مع الفريق ونجح في ضمه للهلال عام 1383هـ، وخصص له مكافأة شهرية 200 ريال تقديرا لظروفه الاجتماعية والمعيشية بعد استقراره في العاصمة الرياض.
الشباب نقطة الانطلاق
* يقول النجم الراحل في لقاء الذكريات الذي نشر معه عبر الجزيرة بالعدد (9990): من أسوأ الظروف التي مررت بها بعد انضمامي للهلال مباشرة حين تعرضت لعارض صحي عبارة عن لوز حادة وارتفاع في درجة الحرارة، داخل المعسكر في مقر النادي (بالظهيرة) استعدادا للقاء الدوري الذي جمعنا بشباب الرياض (الشباب حاليا) فقد قدمت اعتذاري عن اللعب وأصر المدرب (حسن سلطان) على إشراكي في خط الظهر ولأول مرة. وعندما علم الشيخ عبدالرحمن بن سعيد بوضعي الصحي أثناء زيارته للمعسكر، بادر وبمشاعره الأبوية بنقلي بسيارته إلى مستشفى الشميسي.. وتم إعطائي العلاج اللازم.. وعقب عودتي للمعسكر قال أبو مساعد لازم تلعب وسيقوم أحد لاعبي الاحتياط بتنقيط البرتقالة في فمك إذا نشف حلقك أثناء المباراة!! وذلك لأهمية مشاركتي في مباراة مفصلية تحدد هوية بطل الوسطى، فرضخت لرغبة المؤسس، وكان أول اختبار لي مع الهلال، مواجهة فريق الشباب الذي كان يضم لاعبين متميزين تم الاستعانة بهم من المنطقة الغربية كالمهاجم عبد الرزاق بكر، وأبو عصيدة، ومشكلتي أنني لعبت في خط الدفاع (ظهيرا أيمن) لأول مرة ونجحت بادائي الرجولي وحماسي في كسب ثقة المدرب بعد فوزنا على شيخ الأندية بـ4/صفر، وأتذكر أن الجماهير الهلالية أطلقت عليّ لقب الدبابة.!!
أحمد عبد الله اكتشف موهبته
* في بداياته الكروية لعب كحارس مرمى في الحارة ثم مهاجما مع فريق التضامن والثغر، و تحول إلى خط الدفاع عقب انتقاله لفريق الهلال.. وهناك مدربين يدين لهم -النجم الراحل- بالفضل بعد الله في بروزه بالخارطة الهلالية ومنهم المدرب أحمد عبد الله الذي اكتشف موهبته مبكرا، وعزز قدراته في خط الدفاع المدربين حسن التوم وحسن سلطان، فقد ساهما في بروزه المبكر وظهوره على ساحة النجومية مع نجوم هلال الأمس الرياضي رغم صغر سنة آنذاك كما تم اختياره للمنتخب الأول الذي كانت مشاركته مقتصرة على مستوى منتخب المدارس الذي شارك في الدورة المدرسية بالكويت عام 1383هـ، ومن أبرز اللاعبين الذين شاركوا في تلك الدورة الرياضية سليمان مطر( الكبش) وزين العابدين وعبدالرحمن كتلوج ومبارك الناصر وجوهر السعيد ونادر العيد.
الاحتراف بـ200 ريال
* كان مؤسس الهلال الشيخ عبد الرحمن بن سعيد- رحمه الله - يقدر المدافع الراحل كثيرا لأخلاقه العالية وانضباطه وكذا إخلاصه للنادي وسلوكه الرياضي فقد كان من المدافعين القلائل في زمانه الذين جمعوا الأداء العالي والخلق الرفيع.. ومن إخلاصه ووفائه لناديه الأزرق.. رفض عرضا مغريا من النادي الأهلي تقديرا لمكانة المؤسس الذي بادله الشعور الوفائي ذاته.. عندما خصص له -أبو مساعد- مكافأة شهرية (200 ريال) ومعه زميله مهاجم الوحدة سليمان مطر (الكبش) بعد انتقالهما من المنطقة الغربية للهلال عام 1383هـ، تقديرا لظروفهما الأسرية والمعيشية.
بطل الكأسين
* كان من أبرز إنجازاته الذهبية مع الهلال الفوز ببطولة كأس الملك أمام الاتحاد في ملعب الصائغ عام 1384هـ وفي الموسم ذاته فاز الزعيم ببطولة كاس ولي العهد إمام الوحدة في ملعب الصبان بجدة.. فجمع لقبي الموسم كثاني فريق بعد الاتحاد ينال هذا الشرف التاريخي بقيادة مؤسسه العصامي الشيخ عبد الرحمن بن سعيد- رحمه الله- الذي قاد هلاله للفوز بلقبي الموسم، وعمره التأسيسي لم يتجاوز الـ7 أعوام.
*كما كان- يرحمه الله- محبوبا من زملائه اللاعبين لطيبته المتناهية ونقاء سريرته.. يقول قائد هلال الثمانينيات الهجرية سلطان مناحي - شفاه الله-كان سالم إسماعيل كثيرا ما يضفي جوا من المرح ويبعث السرور داخل معسكرات النادي آنذاك بروحه العفوية وقفشاته المضحكة التي تصنع النكتة في قالب فكاهي أكسبته محبة الجميع.
هجران الكرة
* استمر المدافع الراحل سالم إسماعيل في الملاعب الترابية حتى أواخر عام 1387هـ، حيث ودع الكرة في سن باكرة من عمره الرياضي بعد تعرضه لإصابة قوية في ركبته أثناء التمارين، وأجرى عملية في موضع الإصابة في أحد المستشفيات، إلا أن الإصابة عجلت باعتزاله (قسرا) وكتبت نهايته مع الكرة.