من باب المنطقية ومن منطلق الواقع فإنه من الطبيعي جدا حدوث أخطاء تحكيمية أثناء أي مباراة في كرة القدم ولكن من غير المنطقي أن نشاهد الاعتراضات على كل قرارات الحكام سواء الخاطئة منها أو حتى الصحيحة، ولا ننكر بالتأكيد وجود أخطاء تحكيمية هذه الأخطاء التي أطلقت العنان لوابل من الاحتجاجات وشتم الحكام في بعض المناسبات بسبب قرارات هي خاطئة فعلا أو على الأقل هي كذلك من وجهة نظر بعضهم وهي تتنوع بين احتساب ركلات جزاء غير صحيحة أو عدم احتساب أخرى مشروعة أو إلغاء هدف سليم أو احتساب آخر غير قانوني وغيرها من الحالات التي تثير احتجاجات الجمهور حتى إنهم اصبحوا يحتجون على أصغر وأدق القرارات داخل ميدان اللعب، هذه القرارات التي كانت تدفعهم للاعتراض والذي هو حق للجميع ولا غبار على ذلك.
نعم تحدث الأخطاء وتُتخذ بعض القرارات الخاطئة في حالات معينة، ولكن هذا لايعني انحياز الحكام أو تعمدهم ذلك لأن الحكم في النهاية إنسان لا يتعدى حدود البشرية ولا يتسامى فوق مراتب الخطأ فهو يقوم بواجبه على أكمل وجه ويؤدي كل ماهو مطلوب منه بكل دقة وبكامل التفاصيل، ومن الممكن صواب قراره أو وقوعه في شرك الخطأ، وهذا بالطبع وارد في أي زمان أو مكان.
ومن منطلق التجربة ومعاشرة حكام كرة القدم العرب أقولها بكل نزاهة وحيادية بأننا نملك كوكبة من الحكام يندر تواجدها في كثير من بلاد العالم، فالحكم العربي يملك وافر المزايا الإيجابية وحسن الخصال، فهو من أفضل حكام العالم لياقة وأنضجهم فكراً كرويا ومن أكثرهم صرامة وحسن تصرف في أصعب الظروف.
لنتريث قليلاً قبل ان نتهم حكماً ما بالضعف أو نصف آخر بالانحياز ولنقنع ذواتنا بأننا مميزون تحكيمياً ويجب أن نفاخر العالم بذلك لا أن نهاجم أنفسنا ونقف عقبة في طريق عربة نركبها جميعاً، فكل الأخطاء التحكيمية واردة وللتاريخ لسان حال يقر بذلك وعلى كافة الأصعدة، ففي أقوى الدوريات العالمية تواجدت أخطاء الحكام، وفي المباريات الدولية اتخذت قرارات خاطئة لم تنس وضع بصمتها في محافل قارية كبيرة، إضافة الى تواجد قرارات كارثية في المونديال وتصفياته، فالأرجنتيني دييجو أرماندوا مارادونا أحرز هدفاً تاريخياً بيده في مباراة فريقه أمام الإنجليز في مونديال 1986 بالمكسيك وتم احتسابه بخطأ تحكيمي فادح،علاوة على الأخطاء التحكيمية الجسيمة في مونديال 2002 بكوريا الجنوبية واليابان والعرس العالمي في جنوب إفريقيا 2010 والهدف المثير للجدل للهولندي رود فان نيستلروي في الشباك الإيطالية في غمار منافسات كأس الأمم الأوروبية يورو 2008 وقائمة تطول ويطول ذكرها من الأخطاء الشهيرة وغير المعروفة لحكام المستديرة الساحرة عبر التاريخ وهذه الأخطاء تحدث كل يوم وفي كل لقاء ومن المحال إيقافها، ولكن من السهل جدا الحد منها وحصر خطورتها إن تم التعامل معها بصورة صحيحة وحرفية عالية.
وأخطاء التحكيم في كرة القدم نوعان الأول لايؤثر على نتيجة المباراة والآخر يؤثر عليها، أما الأول فيمكن التغاضي عنه من قبل الجميع لمنطقية حدوثه، كما أسلفت ولأنه لم يؤثرعلى نتيجة المباراة أيضاً أي بمعنى آخر لم يتسبب بخسارة فريق سلك درب الفوز أو فوز آخركان مهزوما، وأما الثاني فهو الخطير الذي يجب إعارته كل الاهتمام والعمل على إيجاد حلول له لأنه من الممكن أن يتسبب بكارثة كروية أو شغب جماهيري لايحمد عقباه، ولكن في كلتا الحالتين فإنه لايجوز الاعتراض على قرارات الحكم داخل أرض الملعب فهو صاحب الصلاحية في تسيير أمور المباراة، وهذا حق ممنوح له ومقيد في بنود القانون الدولي لكرة القدم ولا يجوز لأي كان التدخل في قراراته أثناء المباراة، وإن كان هنالك اعتراض فإنه يكون بصورة رياضية حضارية وذلك من خلال التقدم به الى اتحاد الكرة الاهلي أو القاري أو الدولي وهو بدوره ينصف المظلوم ويقتص من الظالم وبذلك نسير برياضتنا نحو النجاح ونسمو بمراتبها.
ليس ترويجاً لحكامنا العرب ولكنهم بالفعل لدينا حكام رائعون دائماً مايكونون في الموعد وعند حسن ظن الجميع، إلا أنهم مظلومون إعلامياً، وهذا هو سركون دورهم مهمشا في البطولات وارتداؤهم بذلة الجندي المجهول في كافة المحافل الرياضية القارية والعالمية، فهم لا ينقصهم سوى الدعم الإعلامي والتخفيف من الضغوط الكبيرة غير المبررة عليهم ليطلقوا إبداعاتهم بالشكل الصحيح ويثبتوا وجودهم أمام العالم بأسره.