يُحكى أن الأمير ابن طولون أراد أن يؤدب ولده، وكان الولد أكولاً نهماً؛ فأرسل الوزير في ساعة من الليل, وقال له: ائتني به فوراً، ولا تسمح له بأكل شيء قبل أن تشخصه إليّ.
ذهب الوزير, وقال للولد: أجب الأمير. قال: أمهلني قليلاً لآكل.
قال: أجب الأمير فوراً على هيئتك الآن. ذهب الولد، وجلس في قاعة انتظار حتى طال به الجلوس، واشتد به الجوع.
ثم قال والده: أدخلوه الغرفة.
فدخل، ووجد على الخوان ألواناً من الأطعمة اليسيرة التي نسميها (مقبلات): الجرجير والبقول والسلطات وما شابه. فوقع عليها أكلاً حتى شبع، وهدأت نفسه.
ثم أمر الأمير بأن يؤذن للولد على مائدة من أجود أنواع الأطعمة مما لذ وطاب من الوجبات الرئيسة، وعليها الأمير ووزراؤه وحاشيته، فأكلوا، وانقبض الولد.
سأله أبوه: لماذا لا تأكل؟ قال: قد شبعت، ولم أعلم أن ثمة طعاماً آخر هو ألذ وأطيب.
قال الأمير: إنما أحضرتك لألقنك درساً في حياتك، ليس لك إلا بطن واحد, فإذا ملأته بالبقول والأطعمة الأولية لم تجد نفسك في الطعام الذي هو أكثر نفعاً وأعظم لذة.
«إذا ملأت وقتك بالأمور الصغيرة ضاق عن جلائل الأعمال وفضائلها».