لماذا يصفق بعض المتابعين للطروحات التي تناقش شؤونهم وشؤون التقصير في الخدمات التي تقع في دوائرهم، ثم إذا كان الطرح عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، انقلبوا على أصحاب الطرح رأساً على عقب، وتحول التصفيق إلى شتائم واتهامات في الفكر والدين؟! لماذا يمتدحُ أولئك أصحابَ الطرح حينما ينتقدون الصحة والنقل والتجارة والإسكان والأمن والبلديات والخطوط والبنوك وصناديق الإقراض، ويعتبرون انتقادهم شكلاً من أشكال الانتماء والوطنية والغيرة على الدين والوطن، وحينما ينتقدون موظفي الهيئة، يكونون خونة ومرتزقة؟!
إن هذه الرؤية السائدة لدينا، أساءت للهيئة كثيراً، وذلك لأن معظم الذين يملكون وجهات نظر تصحيحية، يحجمون عن طرحها، خوفاً من التشكيك بهم أو بعقيدتهم أو بوطنيتهم، الأمر الذي جعل مسيرة إصلاح هذا الجهاز تتأخر، وهو ما ليس في صالحه أو في صالح علاقته مع الناس. ومن هنا، فيجب على الغيورين على هذه الشعيرة، ألا يعبأوا بأولئك الذين ينظمون حملات التشكيك بكل من ينتقد أخطاء منسوبي الهيئة، وألاّ يخشون في الله لومة لائم.
في هذا السياق، فإنني أعتبر التحقيقات التي جرت مع المسؤولين عن حادثة التعدي على المرأة في مكة المكرمة، تحركاً إيجابياً يُحسب لرئاسة الهيئة، فالأمر لم تتم المماطلة فيه وتأخيره كالعادة، ولم يعتبر المتسبب فيه بطلاً قومياً كما هو الحال دوماً، بل اتخذت الإجراءات في وقت قياسي، وهذا ملمح لافت ومميز، ويجب الاستمرار فيه واعتباره قاعدة جديدة للتعامل مع الأخطاء.
إن تحفظ البعض على الجزاءات التي طالت الأشخاص الثلاثة، كونها ليست بحجم الاعتداء، وكونهم تم إعفاؤهم من أماكن وتعيينهم في أماكن أخرى، لن يغير حقيقة أن هناك ممارسات جديدة وإيجابية في الهيئة، ستحفظ لها هيبتها ممن يشوهونها بقصد أو بغير قصد.