كبار السن الذين ولدوا قبل الربع أو الثلث من القرن الميلادي السابق، جيل سينتهي خلال سنين معدودة إلا أن يشاء الله، وعندهم الكثير من المخزون التراثي، والأخبار والقصص التي ستدهشنا حقاً لو استمعنا لهم شفهياً، لو نستفيد من الذين أمد الله بأعمارهم سواء رجال أو نساء، وندوّن من خلالهم تاريخ عصر ولّى، وقد مروا بتجارب وعركتهم الحياة بمرّها وحلوها، إضافة إلى تكيّفهم مع البيئة مع قلة الموارد، وعاشوا زمناً ليس زمننا، ومروا بأحداث عظيمة، وعاصروا عدة ملوك، وهناك من تنقَّل ووصل إلى البلدان البعيدة، بعضهم وضع حجر الأساس لإمبراطوريات مالية عظيمة، تلقفتها يد الأبناء وأصبحت يُشار إليها حالياً بالبنان. وكبار السن اختلفت عليهم الحياة من جيل إلى جيل وشاهدوا جميع التغيُّرات التي حدثت في المجتمع، من جيل التنقّل بالجمل أو الحمار والسفن البطيئة، وإلى جيل البورش والمرسيدس، من جيل إذا أراد أحدهم السفر للتجارة وطلب الرزق أو غيرها، يستخير الله، ويشد الرحال وينقطع عن الأحباب، ليصل بعد أسابيع إلى البلد المراد الوصول إليه، إلى جيل يركب طيارة، وأمامه شاشة، يشاهد القنوات الفضائية، ويأكل أصنافاً من الطعام، أو أن يختار كرسي يمدده كالسرير والآي باد عن يمينه والشاشة أمامه، وينام حتى تهبط الطائرة على الأرض، ليصل خلال ساعات إلى قارة بعيدة، كان يستحيل الوصول إليها بكل تلك البساطة، ومن عصر البرقيات التي تصل خلال أسابيع إلى برقيات تصل بنفس اليوم والساعة، من الفقر وقلة الطعام وصعوبة الحصول على العلاج، إلى أن تيسّر لهم تناول حبة صغيرة تنهي الآلام خلال ساعات، هناك من كبار السن من يحفظ الأشعار ويعرف القصص والتواريخ، ومنهم من له تجارب وحياة مملوءة بالأحداث التي سننبهر بها، ونستمتع ونحن نجلس مستمعين إليهم، فأرى فتح جمعيات خاصة يلتقي فيها كبار السن أو إذا استدعى الأمر الذهاب إلى منازلهم لمن أقعده المرض لنقل وتدوين التراث، من فم كل واحد فيهم، والذي سيندثر مع وفاة آخر مسن من الجيل السابق، والبحث عنهم، والتركيز على كل مسن أبلى بلاءً حسناً في حياته.
أما المناضلون والرموز منهم، فلكل واحد منهم قصة كفاح، يجب أن تحفظ، وتنقل إلى الأجيال القادمة بمصداقية من رواتها أنفسهم، أو على الأقل يتكفّل أحد من أبنائهم بتدوين قصة حياتهم من خلال التسجيل، أو التدوين المباشر، ونشرها في كتاب كقصة كفاح وشاهد على تاريخ تراثي بديع، هناك الكثير من كبار السن مكافحون ولهم من التجارب والخبرات والمعرفة الشيء الكثير، ومجرد الجلوس معهم وكأنك تقرأ كتاب تاريخ لا تريد أن تنتهي من قراءته، لكن للأسف لم ينتبه لهم أحد.