الأسرى يتحدثون عن عشقهم وحبهم الخالد ويتحدثون معنا، أينما كنا، وأينما كانوا، نعانقهم ويعانقوننا، رغم إرادة السجان والجلاد، تماماً مثلما يتحدث القمر مع الأرض، ومثلما يعانق القمر الأرض، إنني أرى القمر في عناق وحديث متواصل مع الأرض، على مدار الساعة والأيام والشهور والسنين، يؤكد حقيقة التلازم بينه وبين الأرض، يعلن عجز الغيوم عن النيل من هذه الحقيقة والعلاقة الأزلية، مهما اشتد تراكم الغيوم واشتد سوادها، لا محالة ستنجلي وتفسح الطريق واسعة أمام ضوء القمر، ينساب على ثنايا وحنايا الأرض بين الجبال والهضاب والسهول والوديان، التي تمثل وجه الأرض وتعرجاتها الجميلة.
تكتسي الأرض بحللها المخملية حسب المواسم والمناسبات الفصلية، حللاً مطرزة بالجمال والألوان، بالورد والشوك، والأشجار والأعشاب بالغبار والصفاء وبكل صور الإبداع الذي أبدعته يد الصانع المبدع للأرض والقمر وفضائهما الواسع... فمن يستطيع النيل من هذه العلاقة الحميمية وصورها الجميلة؟! علاقة حب متواصلة تجمع بين الأرض والقمر لا يكتمانها على أحد ويصران على إفشائها والجهر بها، لا يستطيع السجان أن يعتقل الأرض أو يعتقل القمر، تحت طائلة هذه العلاقة الغرامية وهذا الحب الجهري، وإن حاول أن يفعل فإن مصيره يكون مثل مصير الغيوم التي تحاول جاهدة أن تعبث في هذه العلاقة الأزلية المقدسة، فيسقط السجان سجيناً، كما تسقط الغيوم حبيسة للبحر مرة أخرى...
ينطلق القمر في الفضاء نحو الحرية في إرسال ضوئه نحو حبه الذي أحب يعانق حبيبه الذي لم يغادره لحظة واحدة رغم الغيوم والأبواب الموصدة والأقفال الثقيلة، والأسلاك الشائكة، والجدران العالية، همس الحرية فيه أقوى من أن تحجبه كل هذه الموانع...
يتسلل الهمس منه وإليه... إلى كل الثنايا والحنايا مثل تسلل ضوء القمر عبر طبقات الغيوم ليصل إلى كل زوايا الأرض وثناياها، يعلن عشقه المتواصل بلا انقطاع إلى الأرض الجميلة التي أحب، إلى حبه الذي أحب، إلى وطنه الذي يعشق كل المحبين والمضحين من أجل حريته وكرامته وسلامته...
يا أقمار فلسطين ويا عشاقها في سجون الجلادين والمحتلين، إليكم تحية كل عشاق الحرية في هذا الكون الجميل.... وأنتم تنشرون ضوء الحرية عبر سجون وزنازين المحتلين الفاشيين... إلى كل الأرض الفلسطينية المباركة... وإلى كل عقول وقلوب إخوانكم في الشتات...
إليكم كل التحية يا أسرى ومعتقلي الحرية في فلسطين... يا من أعدتم إلى فلسطين هويتها، ورسمتم فلسطين على كل ذرة من ترابها... ستبقون رأس الرمح في وجه المحتل... تكشفون عورته وعنصريته للعالم...
وستكسرون قيوده لا محالة... بأمعائكم الخاوية من زاده المسموم... والعامرة بإيمانكم بعدالة قضيتكم وصبركم على المكاره... وإخلاصكم لوطنكم وشعبكم وأمتكم التي تحمل همكم... لن يهدأ لها بال... إلا بنيلكم حريتكم وحرية شعبكم ووطنكم وقدسكم... أنتم بهذا الصمود والنضال الذي تسطرونه خلف القضبان... قد حولتم السجان إلى سجين في أوهامه وأمراضه، حبيساً رعديداً يتخبط في عاره وعنصريته... يرتعد خوفاً من حريتكم ومن حرية شعبكم ووطنكم...
أنتم أقمار فلسطين تشعون الأمل والحرية... يخترق إشعاعكم ظلمة الزنازين والسجون والمعتقلات... تبعثون الحياة نضرة في كل خلايا وثنايا وعروق الوطن الذي أحببتم... تبشرون بشمس الأمل والحرية.. تسطع في سماء الوطن الأغر... تسقطون المحتلين والجلادين صرعى في امتحان الحرية الأخير...
ينتصر الأمل بكم... ويكتمل البدر الفلسطيني في كل ليلة... ناشراً ضوءه الجميل بين الحنايا والثنايا... بين الضلوع والأطراف... يبعث في القلب وفي كل الجسد الحياة... وقدرة التعبير والتغيير والاستمرار والتواصل... والسير نحو وطن الحرية الأكيد... وطن كل الفلسطينيين، وطن كل الأحرار... وطن يحترم فيه الإنسان لكونه إنساناً دون تمييز...
يوم الحرية آت قريب، يسقط فيه ليل الاحتلال البغيض... يبزغ فيه فجر الحرية الجميل... وينتشر شذاها في كل أرجاء الوطن الحبيب...!!.