الحمد لله حمد الصابرين المحتسبين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين أما بعد.
فإن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا على فراقك يا أبا عبدالرحمن لمحزونون اللَّهمَّ أجرنا في مصيبتنا.
إنه ابن أخي الحبيب الغالي الشاب (عبد الله بن فراج العقلا) الذي فقد والدته -رحمها الله- قبل أن يبلغ عامه الأول وانتقل إلى حضانة أمي رحمها الله التي هي جدته لأبيه التي غمرته بحبها وعطفها وحنانها باعتباره ولد ولدها؛
فإن أعز الوْلد كما يقولون وَلد الوْلد.
عبد الله -رحمه الله- عرفته طفلاً، ويافعًا، وشابًا، ورجلاً خلوقًا مؤدبًا طيب القلب نقي السريرة؛ لا يذكر أحدًا إلا بخير.
كان بارًا بالجميع وفي مقدمتهم جدته رحمها الله، ثمَّ والده -رحمه الله- الذي رافقه في الرحلة العلاجية الأخيرة عام 1430هـ مع شقيقه الدكتور علي شافاه الله.
لقد وافت (عبدالله) المنية في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أكثر من أسبوعين وهو بصحبة ورفقة شقيقه الدكتور علي الذي أسأل المولى جلّت قدرته أن يمَّن عليه بالشفاء العاجل وأن يجبر مصابه ومصابنا في وفاة شقيقه عبد الله -رحمه الله تعالى-.
ولقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يأتي نعيه بعد عدَّة أيام من آخر اتِّصال هاتفي معه، نَعْيٌ هزني من أعماق قلبي، وفرّق صبري، واستفز نفسي واستنفذ جَلَدي، وقَدح قلبي بحرقة الفرقة.
لكني حمدت الله عزَّ وجلَّ واسترجعت، وقلت في نفسي:
شكوت وما الشكوى بمثلي عادةٌ
ولكن تفيض الدمع عن امتلائها
ثم جلست وقد حال الفراق بيني وبينه بعظيم حجابه وأليم عذابه، نعم أن المصاب كبير، وهو بالحزن عليه جدير ولكنا جميعًا بالصبر أجدر، فالموت سنَّة الله في خلقه، وإنما الحياة كَون يليه زوال، وعقد يسبقه انحلال، وإن لكل نفس أجلاً موقوتًا، وإن لكل أجل سببًا مقدورًا، وليس في مقدور أيّ إنسان أن يسترد ماضيًا ولا أن يرد آتيًا ولا أملك إلا أن أقول:
حكم المنية في البريَّة جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
طٌبعت على كدر ونحن نريدها
صفوًا من الأقذار والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها
متطلب في الماء جذوة نار
وأقول لزوجته أم عبدالرحمن: لا تحسبي بأن القدر يجري وفق هوى أحد من البشر؛ فإنَّ وراء الواقع الذي قد نضيق به أحيانًا حكمًا عليا، فمحتمل الحوادث تسير ولا صلة لها برضانا أو بسخطنا؛ فمن أراد تغيير قدر الله، أو أحب تأخير شيء قدمه الله؛ فإنما واهم؛ إِذْ كل شيء عنده سبحانه وتعالى بمقدار، والعاقل يتصرف على أن ما حدث حقيقة لا مناص من الاعتراف بها، ثمَّ يبني حياته بعد ذلك وفق ما يُشير به الحزمُ، ويوحي به السداد.
وخير للمرء أن يتهم هواه من أن يسخط على قضاء الله، فاصبري (يا أم عبدالرحمن)، واحتسبي صبرك عند الله؛ فإنَّ الصبر في اللاوآء محمود، وثقي بالذي أعطاك (عبدالرحمن وفراج)، ولا تجزعي فإنَّ الجزع لا يدوم، وتصاريف الزمان عجيبة وعلى قدر إيمان المرء يكون الابتلاء والخطب وفوق تدبير المرء فإنَّ لله تدبيرًا آخر.
وإلى حَبِيْبَي (عبدالرحمن وفراج): لقد كان أبوكما حسن الذكر في محياه، وعند مماته، وبعد دفنه، وإن حسن الذكر جائزة معجلة لمن يفعلون الخير؛ فقد روى الإمام أحمد عن أبي ذر رضي الله عنه أنَّه قال: (يا رسول الله الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه ويثنون عليه به، فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن). وقيل: إن هذا تفسير للآية الكريمة {الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} سورة يونس (63-64).
ولقد كان أبوكما -رحمه الله- من القلائل الذين يظهرون في الحياة على ندرة، ويُحدثون بمسلكهم موجات من الفضائل والأثر الصالح الذي يُشع من جوهر النَّفْس الصافية؛ فسيرًا على درب أبيكما محبين للخير كما كان، صانعين للمعروف مثله حتَّى تكونا امتدادًا له بعد مماته؛ فما مات من ترك خلفه أبناء يذكره الناس بالخير بسببهم.
وإلى (إخوة وأخوات الحبيب الغالي عبد الله -رحمه الله-) أقول: إن الحياة لا يمكن أن تدوم على حال سواء فيما حدث فيها أو فيما يُتوقَّع منها، ونعلم جميعًا بأن الخطب فادح والمصاب جلل؛ فأعتبروا يا أولي الأبصار، وكونوا مدركين بأن الموت حقيقة لا جدال فيها، ومصيرًا ينتظر كل إنسان سواء في أرضه أو خارج أرض قومه، وسيروا على منهج أخيكم -رحمه الله- من تقوى الله عزَّ وجلَّ، والاستعداد ليوم الرحيل.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمَّد فقيدنا الراحل بواسع رحمته وأن يلهمنا جميعًا الصبر والسلوان، كما أسأله جلَّت قدرته أن يمَّن على حبيبنا الفاضل الدكتور علي بالشفاء العاجل وأن يجمع له بين الأجر والعافية إنه ولي ذلك والقادر عليه.