بارع لمن لم يسمع عنه هو، البرنامج الوطني لتنمية الحرف والصناعات اليدوية بالمملكة، وهو أحد البرامج الرائدة التي أطلقتها الهيئة العامة للسياحة والآثار انطلاقاً من كون النشاط الحرفي إرثاً ومجالاً لتوفير فرص العمل، ومصدراً لتنمية الموارد الاقتصادية وعاملاً لإنعاش الحركة التجارية والسياحية، وسعيها إلى تنمية قطاع الحرف والصناعات اليدوية يحقق تنمية مستدامة وتنوّعاً ثقافياً وثراء اقتصادياً (رؤية البرنامج) وتم الوصول إلى تلك الرؤية الرائعة من خلال الوقوف والقناعة بأهمية الحرف والصناعات اليدوية التي تحقق أهمية حضارية وثقافية لأنها نشأت مع الإنسان وتجذّر حبها في نفسه، وفي الحفاظ عليها حفاظ على الهوية الثقافية والأصالة الوطنية كما أن الأمم تستلهم مستقبلها من خلاله تراثها العريق، وسيكون من خلال الاهتمام بالحرف والصناعات اليدوية وفرة في فرص التوظيف لفئات المجتمع وكذلك خفض للبطالة وهي مشكلة الساعة ومقلقة الشعوب على مستقبل شبابها وفي الاهتمام به أيضاً حد من الهجرة إلينا أو فقد لطاقات شبابنا وهجرتهم، كذلك تساهم الصناعات اليدوية في دعم الناتج الوطني للدولة وتنشيط الحركة الإنتاجية والتسويقية وجذب العملات الأجنبية لاقتصاد الدولة، وفي ذلك جذب للسياح في اقتناء المنتجات الحرفية الوطنية وتنشيط للحركة الثقافية من خلال تنشيط حركة المهرجانات والفعاليات الثقافية.
ولعل أهم ما يميّز الاهتمام بهذا البرنامج الوطني بالإضافة لما سبق الإشارة إليه أن عدد الحرفيين التقريبي في المملكة تجاوزوا 21000 حرفي وعدد الصناعات التي يزاولها الحرفيون أكثر من 45 حرفه أو صناعة ويتفرع منها عدد هائل من المنتجات المتنوّعة بأحجام وألوان مختلفة، كما أن متوسط قيمة الواردات للمملكة حوالي مليار ونصف المليار سنوياً من الصناعات المشابهة، وتمثّل في قيمة الإنتاج المحلي من المنتجات الحرفية ما يقارب من 20% من قيمة الواردات ويقدّر ذلك بـ(300 مليون ريال) ولقد حقق برنامج بارع العديد من الإنجازات التي تسجّل بماء الذهب للدولة على اهتمامها ودعمها وجعله واقعاً نعيش إيجابياته بكل تفاصيلها، وللهيئة على مبادرتها وطرحه كمشروع وطني تنموي وتطويري وللصنّاع والحرفين على دعم الفكرة وتبنيها وتفعيلها ونشرها وتحقيق القدوة في الحفاظ على موروثنا التقليدي العريق والسعي لتطويره دون أن يفقد هويته.
ولكي نؤكّد براعة البرنامج وبراعة الفكرة فإنه براعة الإنجازات لا بد أن تذكر لأطرافها الثلاثة والتي تمثّلت في:
1- أعداد إستراتيجية وطنية للحرف والصناعات خوفاً من اندثارها نتيجة للتحوّلات الاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها المملكة.
2- دعم الجهود التي بُذلت سابقاً من خلال المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) وخصوصاً أن تحويلها بهذه الصورة سيساهم بفاعلية في برامج التنمية الاجتماعية والاقتصادية في وطننا العزيز.
3- بناء الإستراتيجية من خلال خبراء محليين ودوليين ومن دول تعي أهمية الحرفة والصناعة اليدوية كتركيا والمغرب وتونس.
4- دعم مجلس الشورى للبرنامج كمشروع اقتصادي يساهم في تنمية الاستثمار وخلق فرص عمل شريفة لمواطني هذا البلد الكريم.
5- المبادرة في التنسيق مع اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم للاستفادة من برنامج اليونسكو لتنمية مهارة العاملين في الحرف والصناعات اليدوية في المملكة واستفاد من هذا البرنامج أكثر من 300 حرفي وحرفية في مناطق المملكة. وقد انضمت المملكة إلى عضوية الاتحاد العربي للصناعات التقليدية والحرف.
6- المبادرة في التنسيق مع أمانات وبلديات المناطق التي يوجد بها الحرفون من أجل إيجاد مقر دائم لهم يزاولون مهنتهم وحرفتهم بكل يسر وسهوله وفي ذلك توفير دخل منتظم للحرفيين وكذلك إبراز لتراث المنطقة وتميزها الثقافي.
7- إقرار جائزة عكاظ للإبداع في مجال الحرف والصناعات لعامي 1431- 1432 ورصد مبالغ مجزية لأفضل الفائزين ممن تنطبق عليهم معايير الجائزة.
8- توقيع اتفاقيات مع الهيئات العامة ذات العلاقة كهيئة البريد السعودي لتفعيل التواصل مع الحرفيين.
9- دعم الحرفيين وأرباب الصناعات اليدوية بتهيئة المشاركة الفعَّالة لهم في المهرجانات والفعاليات والملتقيات الاستثمارية في عموم مناطق المملكة لعرض منتجاتهم ومزاولة صناعاتهم في مواقع الحدث مما يسهم في توعية الجمهور بأهمية الحرف الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياحية وفي ذلك مصدر دخل جيد للحرفيين والحرفيات.
10- تواصل المشروع الوطني للحرف والصناعات اليدوية مع وزارة التجارة ومجالس الغرف التجارية من أجل دعم فكرة إجراء تراخيص العمل من المنزل وسيستفيد من ذلك ما يزيد عن 20000 حرفي وحرفية وسيتحول العمل إلى عمل مؤسسي بشكله النظامي بعد صدور التنظيمات الخاصة به.
11- ما صدر من مجلس الوزراء بأن تكون الهدايا من الحرف والصناعات اليدوية في جميع المناسبات المحلية والدولية.
ولأن قطاع الحرف اليدوية أحد القطاعات المهمة التي سيكون لها نمو كبير وقيمة مضافة للاقتصاد الوطني وخروجها من كونها قطاعاً مسانداً إلى قطاع أصيل مترابط تنظيمياً فقد دعت الهيئة إلى تفعيل التمويل المتكامل للمشاريع الرائدة والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة ودخول الشركات التسويقية وحماية العلامة التجارية (حرفة سعودية أصيلة) وسيكون بعد تكامل تلك الجهود محو للنظرة الدونية للتراث الشعبي والاحتفاظ بالفرفر الحرفي كمصدر للإبداع.
وختاماً.... نحن في حاجة المزيد من البرامج البارعة في العديد من مناشط حياتنا وليس فقط في سياحتنا وتراثنا، وتقع على عاتق الكثير من الوزارات والهيئات المسؤولية في إطلاق مثل هذا المشروع الوطني لكي نكون بارعين في حياتنا فاعلين في وطنتينا متطلعين إلى عطاءات وبصمات تسجل لهذا الجيل وتستذكرها الأجيال القادمة، فالتاريخ لا ينسى المبدعين ولا البارعين ولا الوطنيين ولا الفاعلين ولا أصحاب البصمة الإيجابية، ولكي نحقق متعة الحياة في أن نعمل شيئاً لم يعمله أحد ولم يتوقعه أحد وأجيالنا قد ملّت استنساخ الأفكار والمشروعات حتى وإن كانت الإنجازات لتلك البرامج المستنسخة لا تحقق لنا نفس الإنجازات في البلاد التي استنسخنا أفكارنا منها.