للتعليم أبعاد ثلاث بناءً على ما قاله المؤلف المتمرس والأكاديمي كيفن والش في كتابه (الأبعاد الثلاث للتعليم) المنشور عام 1990، أي قبل 24 سنة. أولها هو تطوير المعرفة الثقافية المبنية على ثقافة المجتمع، والتركيز على وضع الخيار بين يدي الطالب. والبعد الثاني كما سماه هو الانضباط العقلي، ويعني به التعليم المستمر لكيفية الاختيار وتحمل المسؤولية وإكمالها بأصلح وجه. ويشير الكاتب إلى أن تحمل المسؤولية واستكمال متطلبات إنجازها بأصلح وجه هو أساس الانضباط العقلي أو الذهني. كما يؤكد الكاتب أن البعدَين الأول والثاني هما البعدان اللذان ينتج منهما البعد الثالث، وهو تطوير شخصية المتعلم وطلاب المدارس. وإن فشلت المؤسسة أو المدرسة في أحد البعدَين فإنها فشلت في تحقيق المعادلة كلها، وبهذا لا تبني شخصيات قادرة على تحمل المسؤولية لاحقاً. تجتمع الأبعاد الثلاث للتعليم على عنصر التمكين، ووضع الخيار بين يدي الطالب. وهناك تجارب ناجحة لمدارس حول العالم، وأخص بالذكر العديد من المدارس الحكومية والأكاديميات الأهلية الموجودة بالولايات المتحدة الأمريكية، التي تبنت نظام الساعات للمرحلة الثانوية المثيل لنظام الساعات الجامعي، والمتبع بالجامعات الحكومية والأهلية بالمملكة؛ إذ يقدم المنهج مجموعة مواد أساسية وأخرى اختيارية منبثقة من أقسام علمية، يستوجب على كل طالب الالتحاق بعدد ساعات محددة لكل قسم طوال مدة الثانوية العامة، بالتنسيق مع المشرف الخاص به؛ إذ يقوم الطالب باختيار المواد التي تناسبه من حيث الترتيب، والتي تعجبه من حيث الهواية. على سبيل المثال للمواد الأساسية: قسم العلوم، الذي يتضمن مواد الكيمياء والجيولوجيا والأحياء وغيرها. قد يختار الطالب الالتحاق بثلاث مواد في الكيمياء بمراحلها المختلفة، والاكتفاء بذلك من قسم العلوم طوال مدة المرحلة الثانوية، وينطبق ذلك على جميع الأقسام بما فيها قسم المجتمع والصحة والتقنية والأدب والرياضيات واللغويات، وغيرها من أقسام المواد الأساسية. كما يقدم المنهج مجموعة مواد اختيارية، مثل التكنولوجيا بأنواعها والميكانيكا والهندسة والكهرباء والفلك والتجارة والمبادرة والإدارة والثقافة الصحية والأمنية والتصوير والإعلام والإعلان والتجارة الإلكترونية والبرمجة والصناعة، وغيرها. وإضافة إلى تمكين الطالب من اختيار المواد فإن ذلك يعني تمكينه من خلق مستقبله بمشاركة مشرف متخصص، وعليه يتحمللطالب جزءاً كبيراً من المسؤولية، ويعتبر نجاحه إنجازاً منسوباً لقراراته؛ ما يطور شخصية مسؤولة ومتطلعة. كما يُعتبر عدم النجاح تحدياً يحاول الطالب اجتيازه بقدرة وإصرار. والجدير بالذكر أن الرسوب (لا قدر الله) لا يعني إعادة السنة وملامة الأهل ونظرة المجتمع السيئة و»انشقي يا أرض وابلعيني»، بل يعني الرسوب فرصة كبيرة للطالب لتطوير ذاته. وفلسفة هذه المدارس والأكاديميات المبنية حول الطالب، تركز على بناء عقل قابل على الإنتاج والاستنتاج والتفكير والابتكار، وجسم صحي يكمل العقل ومتطلبات النجاح.. ولا فرق لديهم بين طالب أول ثانوي أو آخر ثالث ثانوي سوى المدة المتبقية للتخرج؛ إذ إن جميع مواد المرحلة الثانوية تجمع طلبة بمختلف المراحل تحت سقف واحد، ويتم تقييمهم بالمعايير نفسها؛ الأمر الذي يؤكد اختلاف الطلبة بعضهم عن بعض في رغباتهم، وفي هواياتهم، وفي تربيتهم، وفي علمهم، وفي إمكانياتهم الذهنية والجسدية، وفي مقدرتهم الذاتية، وفي الطريقة التحليلية والاستنباطية.. ولا يمكن توحيد المناهج التعليمية النظامية بناء على الأعمار إن أردنا التطوير وبناء عقلية مفكرة منتجة ومبدعة ومسؤولة، بإمكانها قيادة المملكة إلى الصفوف الأمامية في المستقبل.
تختلف أساليب تطبيق تجربة الساعات بالمدارس الأمريكية باختلاف رؤية المؤسسة الأكاديمية وتوجهاتها، كما يؤثر الحجم والموارد والإيرادات والجودة.. فإن نجاح التجربة مرهونٌ بتمكين المدرس للطالب (الذي أصبح يقود مستقبله بنفسه) عبر إتاحة الفرصة له للسؤال والجواب والاعتراض والاختلاف من أجل الإنتاج الفكري المبني على تمكين القسم للمدرس، ويدعمه بالمادة العلمية، ويلحقه بالدورات التدريبية المتخصصة، ويوفر التجهيزات والتواصل المطلوب مع الشركات والمؤسسات حين الحاجة، المبني على دعم إدارة المدرسة للقسم، ودعمه بالموارد البشرية المؤهلة والموارد المالية لتنفيذ خطط تحديث وتطوير المناهج، المبني على تمكين هيئات وأنظمة التعليم العام للمدارس والأكاديميات بمنحهم حرية نظامية تسمح بقدر كبير من التطوير والتقدم والتميز بالجودة.
إن أخذنا في الاعتبار رؤية وزارة التربية والتعليم بالمملكة العربية السعودية، وهي: (طالب يحقق أعلى إمكانياته، ذو شخصية تكاملية، مشارك في تنمية مجتمعه، ومنتمٍ لدينه ووطنه، من خلال نظام تعليمي عالي الجودة) نرى أن الوزارة رائدة برؤيتها وتوجهها. ومن يتابع الصحف والأخبار يقتنع بأن وزارة التربية والتعليم تقوم بأعمال جبارة لتحسين النظام والمنهج والمبنى والكتاب والمخرجات. ومن خلال الرؤية والأخبار بإمكاننا أن نقول إن مدارسنا بإمكانها تخريج أجيال قادرة على تحمُّل المسؤولية. وأيضاً - من ناحية أخرى - إن نظرنا إلى واقع المدارس والخريجين وإحصائيات المعطلين عن العمل والمليارات الموجهة داخلياً أو خارجياً عبر برامج الابتعاث للتدريب والتأهيل ما بعد المرحلة الثانوية وبرنامج حافز وإحصاءات وزارة العمل لاقتنعنا بأن هناك خللاً ما يستوجب على الجهات المختصة مضاعفة الجهود لاكتشاف ومعالجة الخلل من الجذور، أو ترك الخلل للمدارس الرائدة أو الأهلية وتمكينها من معالجته.