يعيش المشهد العراقي حالة حراك سياسي فريد، وبضغط عالٍ جداً؛ إذ أدرك حالة الانفجار الشعبي في بعض مناطقه، كالذي تعيشه منطقة الأنبار الثائرة على الكبح العسكري الذي تمارسه حكومة المالكي، بتسخير الجيش العراقي لتدمير مدنه، وقصف المساجد ومنازل المواطنين الأبرياء، دون الشعور بالمسؤولية الوطنية ومبادئ حقوق الإنسان، وتحميل المالكي وحكومته جريمة هدر دماء الأبرياء ممن سقطوا ضحايا عمليات القصف العشوائي للدبابات والمدافع وصواريخ الطائرات، التي جاءت نتيجة مخطط إجرامي نسجه دماغ مريض ميكافيلي، لا تؤرقه دماء الأطفال والشيوخ والنساء الأبرياء.. والأهم لديه تفكيك القوى المعارضة لسلطته الديكتاتورية، وإسقاط الزعامات الوطنية الممثلة لمنطقة الأنبار، وتجيير هذا العمل الإجرامي كنصر انتخابي للمالكي وحزبه المتسلط على إرادة الشعب العراقي الصابر منذ ثمانية أعوام عجاف.
العراق بوضعه الحالي لا يحمل أهلية الدولة الموحدة سلطوياً، وما يسمى بحكومة المشاركة لا يمكن تصنيفها كحكومة وطنية لهيمنة ديكتاتورية الحزب والقائد على كل مصادر السلطة؛ فهو رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية والدفاع والأمن الوطني والمشرف على جهاز المخابرات العامة.. ويسخر كل هذه القوى التنفيذية لبسط سلطته وقراراته، وبطائفية مقيتة نحو طوائف الشعب العراقي المسلوب الإرادة، الذي يعيش تحت سيف التمييز المذهبي والعرقي، وسريان ثقافة النهب المنظم للمال العام، والفساد الإداري المنتشر في كل الأجهزة الإدارية، والظلم والقهر الممزوجَين بصنوف لا إنسانية من التعذيب النفسي والجسدي الوحشي السادي لانتزاع اعترافات معدة مسبقاً وكاذبة ومفبركة من المعتقلين والمعتقلات، ومن طائفة مذهبية معينة، تعارض تسلط حكومة المالكي وممارساتها النابعة من فكرها المتطرف الحاقد.
ومع العد التنازلي لموعد الانتخابات البرلمانية (الثلاثين من إبريل الجاري)، اشتدت الحملات الإعلانية بعرض تشكيلة من ملصقات المرشحين كتلاً وأفراداً، وبرز شعار تحقيق وزارة الأغلبية البرلمانية كهدف انتخابي، تسعى لتحقيقه قائمة المالكي؛ وذلك للانفراد بالسلطة التنفيذية، وتشكيل الوزارة القادمة من أعضاء حزبه (حزب الدعوة الإسلامية)، وتوقعه إحراز المرتبة الأولى لنتائج الانتخابات القادمة، وتحقيق حلمه في الولاية الثالثة! وقد أجمعت الكتل السياسية كافة المترشحة على رفع شعار موحد بعدم قبولها الولاية الثالثة للمالكي وحزبه، والاتفاق بين الكتل المعارضة لتشكيل كتلة ائتلافية بينها لتأليف الوزارة القادمة لخشيتهم من اللدغة الثالثة!!
برزت كتل وطنية جديدة تبنت المواطنة شعاراً لها، ونبذت الطائفية والعرقية، وضمت قوائمها أسماء وطنية مميزة من أساتذة الجامعات والقادة العسكريين من الجيش المنحل ورجال أعمال وساسة ودبلوماسيين معروفين من كل الأطياف الوطنية (كتلة الكرامة وأمينها العام رجل الأعمال الشيخ خميس الخنجر وكتلة ائتلاف العراق وزعيمها المهندس عباس الشمري)، وبقيت الكتل القديمة التي تمثل الثقل الانتخابي (كتلة دولة القانون برئاسة نوري المالكي وكتلة المواطن وزعيمها الشيخ عمار الحكيم وكتلة الأحرار برعاية الشيخ مقتدى الصدر). ومن الجانب الآخر ظهرت الكتل الوطنية العلمانية (كتلة الوطنية وأمينها العام الدكتور إياد علاوي وكتلة متحدون للإصلاح وقائدها أسامة النجيفي والتحاف الكردستاني)، وحظوظها متقدمة لجني نسب عالية من مجموع المقاعد البرلمانية. وقد تُفاجأ القوائم الجديدة بحصد نتائج غير متوقعة، تؤثر على الحياة السياسية المستقبلية للعراق، الذي يمر بمرحلة مفصلية من حياته السياسية بعد تجربته غير الموفقة في السنوات العشر الماضية، التي أدى من خلالها الحكم الطائفي إلى تركيز التمييز المذهبي والإسقاط السياسي والتهجير الديموغرافي وإلى الفوضى الأمنية وضياع أموال الشعب العراقي المقدرة بأكثر من ستمائة مليار دولار، وظهور طبقة مليشيات مسلحة تمارس دور المافيات العالمية على المواطنين الأبرياء، مع عزلة وعداء إقليمي ودولي.. والشعب العراقي يتطلع بصبر ممزوج بالأمل لوعي الناخب للخلاص من الأحزاب المذهبية الطائفية المتسلطة على رقابه، وبزوغ أمل التغيير بعد انتظار ممل وطويل لإنقاذ الأجيال القادمة، وحماية الثروة الوطنية من تجار السياسة وحرامية بغداد!
الأمل العراقي العربي يتطلع للثلاثين من إبريل بروح الأمل لبدء مرحلة انتخابية نزيهة وبعيدة عن التزوير وشراء ذمم (بعض) الناخبين، وأن ينتج منها عملية تبادل السلطة بجو سلمي دون اختلاق الأزمات التي أصبحت ميزة المالكي وحزبه.