ما نكاد نودع أحزانناً، وتلتئم جراحنا، ونطوي صفحة من أيام كانت تجللها لوعة الفراق لقريب أو صديق أو حبيب، حتى يتجدد اللقاء مع هذا الزائر الذي لا نتمناه، حين يأتي إلينا مسرعاً، في ليل أو نهار، داخل الوطن أو خارجه، لكبير منا أو صغير، إنه الموت الذي لا مفر منه.
***
نحزن أو لا نحزن، فعلينا أن نكون جاهزين ومستعدين لانتظار الموت، في لحظة ما وساعة ما ويوم ما، لا يهم إن أصابنا مجيئه بالصدمة، أو أثار كوامن مشاعرنا بالحزن وبما لا نتمناه، لرجل كان أو امرأة، إنه قضاء الله وقدره، وما شاء فعل، وعلينا أن نتقبل مجيئه بالاحتساب والصبر، والتجلّد، والإكثار من الدعاء لمن رحل عنا وغاب.
***
هكذا ترق القلوب، وينكسر الخاطر، ويصاب الإنسان بضعف وقلة حيلة كلما كان الموت هو هذا الزائر، بينما من توفاه الله هو من غادر دار الفناء إلى دار الخلود بأمر الله الذي يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
***
أقول بعد هذه الكلمات التي عبّرت فيها عن شديد حزني وتأثري وألمي حين تلقيت خبر وفاة العزيز اللواء متقاعد إبراهيم المحمد المالك، الذي عرفت فيه النبل والصدق ودماثة الخلق، وكيف لا أحزن ولا أتأثر لوفاته، وقد كان ذلك الإنسان الطيب بخلقه ونبله وشهامته وهي بعض ما كان يتميز به في حياته.
***
وهو فضلاً عن كل هذا، فقد خدم الوطن في مواقع مهمة، مديراً عاماً لمكتب وزير الدفاع والطيران، وملحقاً عسكرياً في طوكيو، ومديراً عاماً لسلاح الحدود، كما مثّل بلاده ضمن الكوكبة التي حاربت العدو الإسرائيلي في فلسطين عام 48م، وكان في طليعة أبناء القوات المسلحة الذين درسوا العلوم العسكرية خارج المملكة بما أهله لمناصب عسكرية عدة أشرنا إلى بعضها.
***
أبا عدنان، أيها العزيز، لقد خسرنا بوفاتك الشيء الكثير الذي لا تُعبِّر عنه الكلمات، ولا تفيه الدموع والعبرات، ولا تنسيه الأحزان، فالشعور بألم غياب الأحباب باق ما حيينا، فقد كنت أخاً كبيراً، تستحق أن نبكيك، وأن نحزن لرحيلك، وأن نصاب بهذا الحجم من اللوعة ومن الأحزان يوم أن نعى الناعي وفاتك، وأيقنا وتأكد لنا بأننا لن نراك بعد اليوم في هذه الدنيا الفانية.. فإلى جنات الخلود أيها الأخ الحبيب.