عادة ماتكون لدى الإنسان طاقات داعمة في بيئات الإنتاج المختلفة تصطف أمامها الآمال، وتومض إشراقات التفاؤل ثم يُجلب لها قنوات وقنوات من الرفد الوجداني الذي يشعلها، لتنطلق وتصوغ رسالتها السامية ورؤيتها نحو الضروري أولاً، ثم الممكن، وصولاً إلى صنع المستحيل.
هكذا تبنى المبادرات، وترفع المنارات، وتصب في قوالب التنمية المختلفة، لتكون صروحا نابضة بالحياة، فالمخططون وصانعو القرارات الذين غيروا مسيرة الأمم، وحققوا لها الإتمام والأمكنة، استجلبوا لذلك وجدان المنفذين ليعشقوا تلك الصناعة، ويحفظوا لها كل مقومات النجاح، ولم يؤطروا لينفض أصحاب الطاقات من حولهم، فتتلاشى الحكمة، ومن ثم تتجزأ النفس، وتقطعها النصال، فتتوارى الأحلام وتذوب في ثنايا الجفاف والقسوة، قال تعالى مخاطباً سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم {وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} آل عمران (159).
لقد كان نبي هذه الأمة ومعلمها الأول قارئاً لوجدان صحابته رضوان الله عليهم، مكتشفاً لبواطن التأثير والتأثر عندهم وذلك عندما قال صلى الله عليه وسلم [أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر، وأشدهم حياء عثمان، وأقضاهم علي، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ ابن جبل، وأقرضهم زيد ابن ثابت، وأقرؤهم أبي ابن كعب، ولكل قوم أمين وأمين هذه الأمة عبيدة ابن الجراح] أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
نعم إن وجدان الانسان هو حياته أصلا، منه يُقَدِّم ويُقَدَّم له، والمختلف هنا هو سطوة الوضوح، ومستوى التأويل لمحتويات الوجدان المؤثرة التي لها قوة جذب كبيرة، فإن كانت المؤسسات ذكية فجرت من خلال الوجدان طاقات الإبداع، ليتحقق الكثير الذي لم يزهر بعد ؛ هناك أمان لم نصل إلى دروبها، وأغان لم نصل إلى مطالعها، وهناك أيام ودقائق اختلف البشر في تناولها، واختلفوا في استجلاب محمولاتها لتمطر الذاكرة التي تضج بفكر متوقدٍ، يدفع للحضارات ويكون المروءات، وليخفق القلب التي تزلزله نظرة الأطفال، وقد تزلزله أيضا رصاصة صنعها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.
وعلى الرغم من حساسية اللفتات الوجدانية وافتراض إمكانية تداخل الدوافع في النزوع إلى الذاتية التي قد تقدم محمولا وجدانيا على آخر، فإننا في زمن وتيرته أن نترفع عن الخوض في ذلك، احتراما للمنتج أو الصناعة، التي تدفعنا الضرورة إليها، حتى لا يمثل الاختلاف حجر عثرة في سبيل النجاح، ومتعة المشاركة التي لا تكتمل نكهتها إلا إذا كان القائد مختلفاً.